كتب: كمال ميرزا
الخطاب الرسميّ والإعلاميّ الخبيث، يحاول التخفيف من هول المخطط الصهيو - أمريكي في غزّة، والتهوين من أمر جميع الجرائم والموبقات التي اقتُرفت على مدار الـ (15) شهراً الماضيّة وتستحق المساءلة والعقاب وكأنّها لم تكن، وإعطاء المسوّغ والذريعة من أجل ارتكاب المزيد من الجرائم والموبقات، وإفساح المجال لعصابة الإجرام الصهيونيّة لإتمام "مهمّتها" الشيطانيّة.. كلّ ذلك من خلال اختزال المسألة برمّتها في "حركة حماس".
الحرب التي تُشنّها أمريكا على أهالي غزّة بواسطة الجيب الاستعماريّ الغربيّ والقاعدة المتقدّمة المسمّاة "إسرائيل" قد كانت منذ اليوم الأول حرب إبادة وتهجير، وما تزال حرب إبادة وتهجير، ودوافعها على المدى المباشر والمنظور هي دوافع ماديّة تجاريّة بحتة تتعلّق بالغاز والموانئ والمعابر، وعلى المدى الإستراتيجيّ القضاء على "المقاومة" كفكرة ومبدأ، وإعادة إنتاج الهيمنة الأمريكيّة، على المنطقة وثرواتها ومواردها لعقود قادمة، أو بالأحرى هيمنة الشركات الأمريكيّة!
بل إنّ معركة "طوفان الأقصى" قد جاءت كضربة استباقيّة من أجل إفشال هذا المخطّط، أو تعطيله، أو كأضعف الإيمان تصعيب المهمّة على أصحابه وزيادة فداحة الثمن الذي سيضطرون لدفعه نظير تآمرهم وجرائمهم.. وهي النقطة التي ذكّرت بها وأكّدت عليها المقاومة أكثر من مرّة، دون أن يلقى ذلك للغرابة آذاناً صاغية من قبل الخطاب الرسميّ والإعلاميّ العربيّ الذي يتعمّد تجاهل هذه النقطة، وعدم التركيز عليها، والتعامي عنها والتعمية عليها وكأنّها غير ذات دالّة!
ومع أن أمريكا نفسها لا تحاول أن تخفي حقيقة نواياها، وها هو الكلب المسعور "ترامب" الذي انضمّ إلى الكلب المسعور "نتنياهو" يتبجّح جهاراً نهاراً بمخطّطه الرامي إلى تفريغ غزّة من أهلها نهائيّاً، وتحويلها إلى مشروع عقاريّ أمريكيّ صهيونيّ كبير، إلا أنّ الخطاب الرسميّ والإعلامي العربي يصرّ على تجاهل ذلك كلّه، والتماهي مع الخطاب الدعائيّ الغربيّ الصهيونيّ الموجّه الذي يختزل المسألة في القضاء على حماس وحكم حماس وسلاح وحماس.
والمشكلة أنّ الحديث عن القضاء على حماس وفصائل المقاومة يتم بنَفَس وقح ونبرة صفيقة تصوّر الأمر باعتباره حقّاً طبيعيّاً، وغاية مشروعةً، و"مهمّة رسوليّة" لتحرير قطاع غزّة المُختطَف لصالح هذه الفصائل، وكأنّ المقاومة وفصائلها هبطت من الفضاء، أو زرْع شيطانيّ نبت في فراغ، وليست خارجةً من رحم المجتمع الغزّاوي، هي ابنته وهو أمّها وأبوها، وتجسّد حالة وثقافة المقاومة التي يمثّلها هذا المجتمع.
ويعزّز من وقاحة وصفاقة هذا الخطاب وجود عرب منّا وفينا، ودوائر قرار فلسطينيّة وعربيّة، تصرّ على بثّ سمومها، وإطلاق العنان لأذنابها ومرتزقتها وأبواقها المأجورة للحديث عن حماس وفصائل المقاومة بنبرة الإدانة والتجريم. وكذلك إصرار النظام الرسميّ العربيّ لغاية الآن، ورغم كلّ ما جرى ويجري، على عدم الاعتراف بفصائل المقاومة كحركّات تحرّر وطنيّ مشروعة، مع أنّها خط الدفاع الأخير للدول والأنظمة العربيّة من أن تكون "التالية" على قائمة المخطّط الصهيو - أمريكيّ وفوضاه الخلّاقة!
سقطة ثانية للخطاب الرسميّ والإعلامي العربيّ تعامله مع "مخطّط" ترامب باعتباره "خطة"، والإشارة إليه باعتباره "خطّة" وليس مخطّطاً أو مؤامرة أو مكيدة، الأمر الذي يقلّل من وقع هذا المخطّط، ويموّه مضامينه الخبيثة وغاياته الشيطانيّة، ويسبغ عليه نوعاً من المعقوليّة والمقبوليّة، ويصوّره وكأنّه خيار آخر يستحق النقاش والأخذ والردّ وقد ينضوي على شيء من الوجاهة والمنطقيّة والواقعيّة في مقابل خيارات أخرى مثل الخطّة العربيّة.
سقطة ثالثة للخطاب الرسميّ والإعلاميّ العربيّ تماهيه سريعاً مع مخطّط الفتنة والتقسيم في سوريا استمراراً للمؤامرة التي ابتدأت منذ أكثر من (15) سنة ولم تنته بعد.. وذلك من خلال تداول العبارات والمصطلحات التي تكرّس الفرز والانقسام الطائفيّ، مثل استخدام مصطلح "فلول" ضدّ كلّ مخالف ومعارض، أو استخدام وصف "مدنيّين علويّين" للضحايا الذين سقطوا ويسقطون حاليّاً في اللاذقيّة ومناطق الساحل السوري عوضاً عن الإشارة إليهم باعتبارهم "مواطنين سىوريّين"!