ترجمات - قناة N12 - يوسي شلاين - في خضم الحملات الانتخابية الأميركية في سنة 2024، وخلال إحدى المناظرات مع كاميلا هاريس، شدد ترامب على أن إسرائيل لن تكون موجودة من دونه، وقال "إن إسرائيل ستختفي خلال عامين، إذا تم انتخاب هاريس. إذا لم يتم انتخابي، فإن إسرائيل ستموت". هذا ما قاله ترامب، ولم تُوجَّه إليه أيّ انتقادات من القدس. عملياً، إسرائيل الرسمية، أو كما يقال "اليمين الكامل"، صمتت بخضوع، وفرحت ورقصت عندما انتُخِب ترامب - عمرنا ازداد.
يعتبر ترامب إسرائيل دولة واقعة تحت الوصاية، وإسرائيل تتقبل ذلك بخنوع. عملياً، اختارت حكومة نتنياهو تبنّي نهج "الوصي - ومن تحت الوصاية" كاستراتيجيا قومية، وأن تخضع للوصي عليها. لم يعد هناك دبلوماسية، أو سياسة مستقلة، نحن ننتظر ما سيقوله ترامب، أو توجيهات من مبعوثه الخاص ويتكوف. يردد نتنياهو وشركاؤه المعزوفة التالية: ترامب يحمينا من إيران، ويمكن أن نتفرغ لاغتيال الأعداء من الداخل: أولاً، رئيس الشاباك ورئيس المحكمة العليا والمستشارة القضائية للحكومة. أمّا المخطوفون؟ في جميع الأحوال، إنهم أبناء وبنات المخلص ترامب. لدينا ثقة بواشنطن، والآن، يمكننا الحفاظ على السلطة، ومنح الحريديم الأموال، وتمرير قانون التهرب من الخدمة العسكرية - وألّا نخاف بتاتاً.
ترامب أيضاً لا يتعامل مع حلفاء آخرين على أنهم شركاء في القيم، إنما كجهات يتم دعمها، ويجب أن تكون شاكرة. إنه يحترمهم ما داموا يأكلون من يد السيد، وأحياناً، من أحد أتباعه.
قرر ترامب أن يتحول خليج المكسيك إلى "خليج أميركا"، وفعلاً، تغيّر هذا في الخرائط الرسمية الفدرالية، حتى إن "غوغل الخرائط" غيّر اسمه من "خليج المكسيك" إلى "خليج أميركا". أمّا قناة بنما، فباتت أميركية مرة أُخرى، وستتحول كندا إلى الولاية الأميركية الواحدة والخمسين، والمعادن الأوكرانية تابعة لأميركا، وزيلينسكي، أصلاً، سيُباد خلال 3 أيام من دون أميركا… هكذا يفكر دونالد ترامب.
والأغلبية الأميركية تصفق للإمبراطورية التي تفرض الضرائب، بشرط ألّا تنهار البورصة. يعتقد ترامب أن أميركا فقط هي المهمة، والوحيدة، ومن دونها، لا وجود للعالم، ولا غنى عنها- Indispensable - والحلفاء ليسوا سوى مُلحقين موقتاً، وفي حال لم يكونوا شاكرين، فإنهم لا يستحقون الدعم؛ ستتم معاقبتهم كالأولاد، ويجلسون بخجل أمام الأهالي خلال المحاضرات الأخلاقية. صحيح أن كندا هي الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة - لكنها بالنسبة إلى ترامب، ليست سوى دولة هامشية وتابعة، وكل محاولة منها لرفع رأسها، أو نسيان هذه الحقيقة، أو التفكير باستقلالية، سيتم الرد عليها من خلال التركيز على "مَن الرئيس هنا". دائماً ما تعامل ترامب مع جاستين ترودو على أنه "ولد كبير".
لقد استهتر به. أمّا زيلينسكي أوكرانيا، فهو ليس سوى أداة في اللعبة، وليس بطلاً للديمقراطية والحرية. وحده ترامب هو المركز، ووحده "رجل السلام" والبطل العالمي الذي يُطعم أوكرانيا. ببساطة، دخل زيلينسكي في حالة بلبلة بسبب الأوروبيين وبايدن الضعيف الذي سمح له بالاعتقاد أنه مستقل. ترامب، الذي طرد زيلينسكي من البيت الأبيض، قرأ خلال الأسبوع رسالة خضوعه بفخر، في خطابه للأمة أمام الكونغرس. بنما أيضاً وغرينلاند، وحتى دول أوروبية أعضاء في "الناتو"، تعيش كلها بفضل ترامب. ترامب يستضيف ماكرون، والثاني يسير بين النقاط كي لا يستفزه، فالرئيس الأميركي يمكن أن يتحول من وصيّ إلى عدوّ في أيّ لحظة استفزاز، مثل المافيا… هذا النهج في التعامل مع الحلفاء، عبر الوصاية - المافياوية، يكسر كلياً البنية التاريخية القيَمية للغرب.
إن هذه الوصاية تسمح بصفع الولد وإذلاله، ثم منحه حضناً صغيراً، وبعدها الاستخفاف به، وتسمح أيضاً بتوزيع الشهادات الجيدة على الإنجازات، ومعاقبة الولد والإشارة إلى أنه يتوجب عليه دائماً إبداء الاحترام للوالد الكبير - ترامب… "الاحترام" و"عدم الاحترام" هما مصطلحان موجودان دائماً في قاموس الرئيس الأميركي الذي ينبع في الأساس من رؤية أن كلّ هذه الشراكة مبنية على رغبة طرف واحد قوي يستطيع الحياة من دون الطرف الضعيف. إسرائيل في عهد نتنياهو تبنّت نهج الوصاية الترامبي هذا، حتى أنها تدمنه.
وفي الوقت الذي يبدو فيه أن جيراننا، مثل مصر والأردن، يبحثون عن مسارات بديلة، يبدو أننا دخلنا الـAll In. في المقابل، ستحصل السعودية على معاملة خاصة ومختلفة لأنها تملك المال - الكثير من المال… إسرائيل، بالنسبة إلى ترامب، هي قصة حب للضحية القوية التي يمكن أن تموت في كل لحظة، لكن على الرغم من ذلك، فإنها لا تزال حية. يقوم نتنياهو ببناء نموذج الخنوع- ينفّذ كلّ ما يقوله الملك، ويحصل على امتيازات. والأهم الحفاظ على الائتلاف. طبعاً، ترامب يتنكر أيضاً للثقافة العربية "الحمساوية"، البدائية في نظره، وإسرائيل بالنسبة إليه - موجودة على الجانب الصحيح. إن تحوُّل إسرائيل إلى دولة تحت وصاية ترامب، أصبح في القدس استراتيجيا قومية. دائماً ستقول إسرائيل نعم لكلّ ما يطلبه لأنه يحافظ علينا أكثر مما نستطيع أن نحافظ على أنفسنا.
إنه الوصيّ الكبير، وإذا أتقنت إسرائيل اللعبة بشكل صحيح، فستحصل على رضاه. لا يوجد لدى إسرائيل دبلوماسية مع الأميركيين، لقد عدنا إلى الوصاية الكلاسيكية - الدبلوماسية من دون مكانة سيادية، وهي التي ميّزت اليهود خلال سنوات الشتات، حين كانت الجاليات اليهودية تابعة لحاكم، أو ملك، وكان عليها الاعتماد على المبعوثين الخاصين، من دون أن تكون لها مناطق حُكم، أو دولة، أو جيش، وذلك لتفادي الشر.
يوجد لدى ترامب أيضاً بعض السفراء الإسرائيليين، مثل ميريام أديلسون الأميركية، وديرمر الأميركي، ونتنياهو الأميركي. فالوصاية أميركية دائماً، وليست إسرائيلية، يُضاف إليها بعض الإسرائيليين من أصحاب العقارات في ميامي، والطبخة جاهزة.
في عهد ترامب، انهيار إسرائيل وشيك دائماً. صحيح أنهم يمدحون دولة الابتكار، لكنهم يفهمون أيضاً أنه يمكن أن يتم احتلالها وتشتعل بالنار خلال ساعات، إن لم تصل أميركا للمساعدة. الدولة تحت الوصاية تستجدي، وتشرح أن أعداءها في المنطقة هم أعداء أميركا، وستصل الأمور إلى الشكر على محاربة ترامب لمعاداة السامية في الجامعات الأميركية، وأيضاً على سياساته ضد اليهود الليبراليين الخوَنة. إن صهيونية بايدن التي أنقذتنا بعد السابع من أكتوبر، نُسيت.
إذاً، ماذا ينتظرنا؟ النتيجة هي استمرار هدم الرواية الصهيونية الليبرالية الرسمية، وكراهية إسرائيل في أوساط كثيرة تنتظر نهاية ولاية ترامب. سيتذكرون أننا صوّتنا ضد أوكرانيا، ومصر ستتذكر أننا عاملناها باستخفاف، وسيعاني اليهود جرّاء مزيد من موجات الكراهية. لكن المهم الآن، هو أن الأب ترامب يحافظ علينا في الأزمة المقبلة، من دون استراتيجيا، ومن دون تعريف للهوية الإسرائيلية. وبعد أن يذهب ترامب؟ لا، سيبقى لدينا عامان إضافيان.