كتب . عوني الرجوب

ما يجري اليوم في غزة ليس مجرد عدوان عسكري عابر، بل هو امتداد لسياسة الاحتلال القائمة على فرض واقع جديد، وإعادة رسم خارطة المنطقة على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. في المقابل، يقف العالم متفرجًا، بينما تعيش العواصم العربية حالة من العجز أو التواطؤ، مما يثير تساؤلات جوهرية حول أولويات الأنظمة ومصداقية مواقفها من القضية الفلسطينية.

بين المقاومة والمساومة: أين يقف العرب؟

لطالما كانت القضية الفلسطينية حجر الأساس في تحديد مواقف الدول العربية من قضايا الأمة، ولكن في السنوات الأخيرة، شهدنا تراجعًا ملحوظًا في الدعم الفعلي لصمود الفلسطينيين، مقابل تسارع بعض العواصم نحو التطبيع وتعزيز العلاقات مع الاحتلال. وفي هذا السياق، لا بد من طرح تساؤلات جوهرية:

•لماذا باتت بعض العواصم الغربية أكثر صخبًا في إدانة العدوان الإسرائيلي من بعض الدول العربية؟

•أين دور الجيوش العربية التي أُنفقت عليها المليارات؟ ولماذا تتحول إلى مجرد أرقام في تقارير الإنفاق العسكري، بينما تبقى عاجزة عن التصدي للعدوان على فلسطين؟

•كيف يمكن تبرير الصمت الرسمي، في وقت تُرتكب فيه جرائم موثقة بحق المدنيين في غزة؟

الإجابة ليست معقدة: هناك من قرر أن فلسطين لم تعد أولوية، وأن الحفاظ على علاقات جيدة مع القوى الكبرى والاحتلال الإسرائيلي أهم من نصرة الحقوق العربية الأصيلة.

التطبيع… سقوط ورقة التوت

في الوقت الذي تُسحق فيه غزة تحت القصف، نجد بعض الأنظمة العربية تُسارع لتوطيد علاقاتها مع الاحتلال، متجاهلةً أن القضية الفلسطينية ليست مجرد ملف سياسي، بل هي جوهر الصراع في المنطقة. التطبيع اليوم لم يعد مجرد اتفاقيات دبلوماسية، بل أصبح مشاركة فعلية في تكريس واقع الاحتلال، وإضفاء الشرعية على سياساته العدوانية.

لكن هل يظن هؤلاء أن الاحتلال سيقف عند حدود فلسطين؟ هل يعتقدون أن المشروع الصهيوني سيتوقف عند ما اغتصبه حتى الآن؟ التاريخ يخبرنا بوضوح أن أطماع الاحتلال لا حدود لها، وأن من يعتقد أنه في مأمن من مخططاته فهو واهم.

الأردن وفلسطين: المصير المشترك والخطر المحدق

وسط هذا التخاذل العربي، يبرز الأردن كداعم حقيقي للقضية الفلسطينية، لكن هذا الدعم يُترك وحيدًا في مواجهة تحديات كبرى، في ظل محاولات تصفية القضية الفلسطينية بفرض حلول قسرية لا تخدم إلا الاحتلال. العلاقة بين الأردن وفلسطين ليست مجرد جوار جغرافي، بل هي مصير مشترك، وأي مساس بفلسطين هو تهديد مباشر للأردن ودول المنطقة.
•هل يدرك العرب أن القضية الفلسطينية ليست مجرد عبء سياسي، بل هي سد الدفاع الأول أمام مشروع التقسيم وإعادة رسم الخرائط؟
•هل سيتحركون قبل أن يجدوا أنفسهم في مواجهة ذات المخاطر التي تواجهها فلسطين اليوم؟

في كل لقاء لجلالة الملك عبد الله الثاني بكبار قادة الجيش، العاملين والمتقاعدين، يؤكدً جلالته أن الأردن لن يقف مكتوف الأيدي، لأن فلسطين هي قضية الامه العربيه والاسلاميه ، والدفاع عنها واجب وطني وقومي.مقدس

إسرائيل والتمدد الإقليمي: هل يتحقق مشروع "من الفرات إلى النيل”؟

إن الأطماع الصهيونية لم تتوقف يومًا عند حدود فلسطين، بل لطالما كانت هناك محاولات للتوسع في المنطقة، سواء عبر الاحتلال العسكري المباشر أو من خلال فرض وقائع سياسية وأمنية تخدم المشروع الصهيوني طويل الأمد. ما نشهده اليوم في لبنان وسوريا هو امتداد لهذا المخطط، حيث أصبحت الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية متكررة، بينما تتزايد التهديدات للبنان، في وقت تحاول فيه إسرائيل فرض هيمنتها المطلقة على المنطقة، مدعومةً بتواطؤ دولي وصمت عربي رسمي.

الأردن في مواجهة إسرائيل وحيدًا؟

لقد كان الموقف الأردني واضحًا منذ البداية: فلسطين هي قلب الأمة، والدفاع عنها ليس خيارًا، بل واجب وطني وقومي. في الوقت الذي يكتفي فيه البعض بالمشاهدة أو بإصدار بيانات لا تسمن ولا تغني، نجد أن الأردن، بقيادته الهاشميه وشعبه، يتحمل مسؤولية تاريخية في حماية القضية الفلسطينية، رغم التحديات السياسية والاقتصادية التي يواجهها. ولكن الى متى الأردن في مواجهة إسرائيل دون اسناد عسكري عربي شامل

•هل يمكن للأردن وحده أن يواجه المخاطر المحدقة بالمنطقة؟

•أين الموقف العربي الجماعي من هذه التهديدات؟

•متى يدرك العرب أن سقوط فلسطين يعني بداية مرحلة جديدة من الاستهداف لكل دول المنطقة؟

غزة ليست قضية إنسانية… بل معركة سياسية بامتياز

من يُحاول تصوير غزة على أنها مجرد أزمة إنسانية، يتعمد تغييب الحقيقة. غزة ليست ضحية كارثة طبيعية، بل ضحية عدوان ممنهج مدعوم إقليميًا ودوليًا. الحديث عن إرسال المساعدات دون اتخاذ مواقف سياسية حازمة هو مجرد تلاعب بالمشاعر، ومحاولة لشراء الوقت بدلًا من مواجهة الاحتلال وإيقاف جرائمه.

الحل في المواقف الحاسمة التي تُجبر الاحتلال على وقف عدوانه، ومحاسبته أمام المحافل الدولية.


إذا كان البعض قد قرر أن فلسطين ليست أولوية، فإن الشعوب لا تزال تملك الكلمة الفصل. القضية الفلسطينية لم تكن يومًا قضية الحكومات وحدها، بل كانت دائمًا قضية الشعوب الحرة، التي تدرك أن القدس ليست مجرد مدينة، وأن غزة ليست مجرد بقعة جغرافية، بل هما عنوان الصراع بين الحق والباطل.

التاريخ لن ينسى من وقف متفرجًا، ولن يغفر لمن تواطأ بالصمت أو الفعل، واليوم لكل فرد موقف يسجله التاريخ: إما أن يكون في صف فلسطين، أو أن يكون مجرد سطر في سجل العار.

: متى ينكسر الصمت؟

إذا استمر التخاذل العربي، فلن يكون هناك رادع يمنع الاحتلال من تحقيق مخططاته. وإذا استمر الرهان على القوى الدولية، فلن يكون هناك إنصاف، لأن المصالح هي التي تحكم السياسات الدولية. الحل يبدأ من الداخل، من إعادة ترتيب الأولويات، ومن استعادة الوعي القومي بأن ما يحدث في فلسطين ليس معركة الفلسطينيين وحدهم، بل هو معركة الأمة بأسرها.

فإما أن نكون على قدر التحدي… أو أن نتحمل وزر الصمت إلى الأبد.

.