من محمد المطيري

(تقرير اخباري) القاهرة - 7 - 1 (كونا) -- استقبلت مصر عام 2025 بمؤشرات تحسن طرأت على المشهد الاقتصادي المثقل بالتحديات من أبرزها انخفاض معدلات التضخم وثبات سعر صرف العملة المحلية رغم تذبذبها في ديسمبر الماضي فوق مستوى 50 جنيها للدولار الواحد.
إلا ان المشهد مازال مختلطا ما بين الآمال بتحقيق انتعاش في المؤشرات الاقتصادية والواقع الذي يحمل في طياته تحديات ليست بالسهلة على رأسها الحفاظ على قيمة الجنيه وخفض نسب التضخم بالتوازي مع تقليص الفوائد المصرفية العالية التي باتت ترهق الصناعيين والمستثمرين على حد سواء.
وسبق ان تمكنت الحكومة من التغلب على بعض هذه التحديات وكان اصعبها السوق السوداء للدولار وازمة شح العملة الاجنبية في السوق المحلية والتي خيمت على الوضع الاقتصادي في النصف الاول من العام الماضي.
ومع ذلك فان شبح نقص الدولار قد يطل برأسه هذا العام ما يعني تراجع سعر صرف الجنيه دون حاجز ال51 جنيها امام الدولار ما لم تسارع الحكومة الى جذب المزيد من الاستثمارات الاجنبية عبر سن اجراءات تحفيزية ومنح اعفاءات ضريبية.
وفي هذا الإطار قال مسؤول العمليات المالية في بنك الكويت الوطني - مصر شريف عنارة لوكالة الانباء الكويتية (كونا) ان تراجع الجنيه امام الدولار مازال يؤرق المستثمرين والمستهلكين ويرفع كلفة فاتورة الاستيراد ويقلص تدفق الاستثمارات الاجنبية كما يلهب جيوب الافراد بسبب تضخم الاسعار.
واضاف انه لا يستبعد مزيدا من الانخفاض في قيمة الجنيه بسبب قوة الدولار من جهة والطلب عليه بالسوق المحلية من القطاع الخاص لتمويل مشاريع قيد التنفيذ من جهة أخرى.
لكن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي طمأن في تصريحات للصحفيين منتصف ديسمبر الماضي بأن تراجع قيمة الجنيه "امر طبيعي" ومرتبط بصعود الدولار عالميا وليس محليا.
ورجح مدبولي تذبذب قيمة الجنيه في نطاق 5 بالمئة صعودا او نزولا في الفترة المقبلة بسبب حالة الاسواق والبيانات الصادرة عن الاقتصاد الامريكي.
وفي سبيل تقليل العجز بالموازنة عمدت الحكومة في عام 2024 لإجراءات تقشفية استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي من اجل الحصول على حزمة قروض بقيمة 8 مليارات دولار استهدفت خصوصا تقليص الدعم عن الخدمات والسلع الرئيسية علاوة على تحرير سعر صرف الجنيه.
وشملت هذه الاجراءات البنزين والسولار وتذاكر القطارات ومترو الأنفاق والكهرباء ما ادى الى موجة صعود لأسعار السلع والخدمات الأخرى مثل الاتصالات والنقل.
ولم تظهر البيانات الحكومية بعد مستوى صعود اسعار المستهلكين لكن نطاق الصعود بدا ملموسا وشمل كل القطاعات لاسيما قطاع التجزئة والتغذية.
وتحسبا لاحتمالات ارتفاع مؤشرات التضخم من جراء رفع الدعم الحكومي قرر البنك المركزي المصري اواخر ديسمبر الماضي في خطوة متوقعة تثبيت معدلات الفائدة للمرة السادسة على التوالي عند مستوى 25ر27 بالمئة و25ر28 بالمئة لسعري العائد والاقراض من اجل الحفاظ على جاذبية الجنيه.
بيد ان سياسة التثبيت قد يتم التخلي عنها في نهاية المطاف لصالح خفض الفائدة في حدود 2 او 3 بالمئة اسوة بالبنوك المركزية في الدول الاقتصادية المؤثرة بعد ظهور بيانات مشجعة بتراجع مؤشرات التضخم في نوفمبر وديسمبر الماضيين.
وإذ سجل التضخم تراجعا طفيفا في نوفمبر الماضي ليبلغ 5ر25 بالمئة مقارنة مع 5ر26 بالمئة في الشهر الذي سبقه فإن استمرار تذبذب قيمة الجنيه الى جانب تقليص الدعم الحكومي للسلع والخدمات قد لا يكبح جماح التضخم بحسب ما أكده رئيس هيئة الرقابة المالية الأسبق شريف سامي.
وقال سامي ل(كونا) ان تأجيل قرارات رفع الدعم عن السلع والخدمات الى جانب استمرار تدفق العملة الصعبة الى السوق المحلية هي عوامل من شأنها الحد من تصاعد معدلات التضخم.
وأوضح ان بيئة الاستثمار يجب ان تكون جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر وان تسمح بدخول رؤوس اموال من شأنها زيادة الاحتياطي من العملة الأجنبية واستخدامها للتوسع في النشاط الاقتصادي في القطاعات الرئيسية.
وأعرب عن اعتقاده بان معدلات التضخم المتوقعة في عام 2025 قد تشهد انخفاضا كبيرا في الربع الأخير من السنة بالتوازي مع تقليص نسبي في اسعار الفائدة وعدم حدوث خسارة كبيرة في قيمة الجنيه لكن ذلك "مرتبط ايضا باستمرار التدفق النقدي من الخارج".
واضاف انه بالإمكان خفض معدلات التضخم إلى مستوى 20 بالمئة او اقل من ذلك من خلال مجموعة من الاجراءات التحفيزية التي تسهم بتدفق موارد دولارية اضافية وضمان عدم عودة ازمة شح الدولار في السوق المحلية.
واشار في هذا الإطار الى صفقة مشروع تطوير مدينة (رأس الحكمة) بشمال مصر مع الامارات في مارس الماضي والتي بلغت قيمتها 35 مليار دولار مع استثمارات تصل قيمتها الى 140 مليار دولار طوال مدة المشروع.
وأكد سامي ان صفقات كهذه من شأنها رفد الخزينة بمزيد من الدولارات التي تحافظ على استقرار الجنيه وكذلك اتاحة الفرصة لتمويل الاستيراد من الخارج من دون ضغوط تضخمية على العملة او الاسعار.
واتساقا مع هذا الرأي شدد استاذ اقتصاديات التمويل في جامعة القاهرة الدكتور حسن الصادي ل(كونا) على اهمية ابرام صفقات مماثلة لمشروع رأس الحكمة خلال عام 2025 لاعتباره ان هذا هو "الحل الامثل" لتوفير العملة الصعبة التي تحتاجها الحكومة للوفاء بالتزاماتها مع الدائنين والتي تبلغ نحو 152 مليار دولار.
وقال الدكتور الصادي ان الاقتصاد المصري بهيكليته الحالية لا يستطيع بسهولة توفير العملة الصعبة لسداد الديون ما يعني ان تحقيق التوازن بين الاحتياجات والالتزامات غير ممكن سوى بالاقتراض الا ان ذلك سيرفع "سقف الديون" ويدخل البلد "في دوامة الاقتراض" على حد وصفه.
واضاف الصادي ان العجز في الميزان التجاري الذي بلغ نحو 30 مليار دولار ليس بالمقدور تغطيته من التحويلات النقدية للمغتربين المصريين وايرادات قناة السويس والصادرات الصناعية والزراعية وعائدات القطاع السياحي وحدها موضحا ان الحل الامثل هو بيع الاصول وعقد صفقات على غرار ما جرى في (رأس الحكمة).
واعتبر ان أبرز التحديات امام الاقتصاد المصري مع العام الجديد هي سداد المستحقات المترتبة على اصول الديون والتي تتراوح ما بين 27 مليار دولار و28 مليارا مشيرا الى ما تم سداده عام 2024 والبالغ حوالي 39 مليار دولار.
وبسبب ازمة الملاحة البحرية في مياه البحر الاحمر ومضيق باب المندب تراجعت ايرادات قناة السويس في 2024 بنسبة فاقت 60 بالمئة وبخسارة بلغت 7 مليارات دولار مقارنة مع ما تحقق في عام 2023 ما أفقد الحكومة عائدات دولارية ثابتة كانت تسهم في تقليص العجز بالموازنة وسداد الالتزامات التي تفرضها اعباء الديون.
وفاقمت الاحداث الساخنة في المنطقة والخشية من انزلاقها في اتون صراع شامل حالة التردد لدى الصناديق الاستثمارية التي تعد القناة الرئيسية للاستثمار ليتناقص التدفق المالي المباشر خصوصا من العملة الصعبة التي يحتاجها الاقتصاد المصري.
وتأمل مصر من الحزمة المالية التي اقرها الصندوق في مارس الماضي والمقسمة الى شرائح اضافة الى مساعدة مالية مقدمة من الاتحاد الاوروبي بحوالي 8 مليارات دولار ان تساهم بتوفير العملة الصعبة وتمويل مشاريعها التنموية ورفع الاعباء عن كاهل الموازنة.
لكن هذه الحزم المالية مشروطة بمضي الحكومة في برامجها الاصلاحية ومن اهمها تعديل الاختلالات في الموازنة والسياسات النقدية اضافة الى بيع الاصول لاسيما في الشركات الحكومية التي يتوقع ان تطرح منها 10 شركات امام القطاع الخاص والمستثمر الاجنبي في 2025.
وكان الناتج المحلي الإجمالي قد سجل 5ر3 بالمئة خلال الربع الأول من العام المالي الجاري مقارنة مع معدل 7ر2 بالمئة خلال الفترة المماثلة من العام المالي الماضي حسبما اعلنته وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية الدكتورة رانيا المشاط في بيان للحكومة في نهاية ديسمبر الماضي عن المؤشرات الاقتصادية للربع الاول من العام المالي 2024-2025.
وبالمحصلة فإن التحدي الاقتصادي امام مصر ليس في شح العملة الأجنبية اذ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والحزم المالية المقدمة من الاتحاد الأوروبي قد يعالج هذا النقص وانما هو تحسين البيئة الجاذبة لصناديق الاستثمار المباشر والقطاع الخاص الاجنبي وتوفير آلية تعمل على فتح قناة طبيعية يصب فيها رأس المال من الخارج الى مفاصل الاقتصاد الوطني ومساعدته على الانتظام بسداد الديون ودفع عجلة النمو الاقتصادي. (النهاية) م م /