على هامش المؤتمر الدولي لدعم لبنان، والذي انعقد في باريس الشهر الماضي، عقدت اللجنة الخماسية اجتماعاً على مستوى وزراء خارجية الدول الممثلة فيها، أي فرنسا، الولايات المتحدة الأميركية، السعودية، مصر وقطر. لم يتركز البحث على رئاسة الجمهورية فحسب، وهو الموضوع الذي استنفد طاقة الخماسية وعجّز سفراءها. بل تجاوزها إلى مرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، وكيف سيكون عليه الوضع في ضوء المستجدات الأمنية والعسكرية والسياسية وحتى الاجتماعية. ويمكن جمع كل هذه الأطر في إطار واحد، محوره ما مني به حزب الله من خسائر في بنيتيه القيادية والسياسية.
‎في حرب تموز عام 2006، خرج الأمين العام السابق السيد حسن نصرالله يقول في دلالة على استمرار قوة حزبه، إنه لا يزال هو شخصياً على قيد الحياة، وأن القيادة لا تزال موجودة، والحزب كله لا يزال على قوته. اليوم تغيرت الصورة. قيادة الحزب استهدفت بدءاً من أمينها العام إلى القادة المؤسسين. لم يعد حزب الله على ما كان عليه، وإن كان خروجه من المعادلة غير وارد، وليس مطلباً، أقله لعدد من دول الخماسية التي ترى أن استيعاب حزب الله شرط أساسي للحل في المرحلة المقبلة، أياً كان وضعه بعد انتهاء الحرب، وهو من الناحية العسكرية لا يزال صامداً في الميدان. تواجه دول الخماسية انقساماً في الرأي حول التعاطي مستقبلاً مع حزب الله، بين المصرّ على دوره في المعادلة الداخلية ومن يرى العكس.إيران أو السيستانيوفي كلا الحالين، دخل واقع حزب الله، وربطاً مستقبل الشيعية السياسية في لبنان، حيز النقاش الجدي في المحافل الإقليمية والدولية، أي الدول التي تعنى بملف لبنان بشكل مباشر. فرنسا، مصر وقطر، دولٌ ترى استحالة تهميش دور حزب الله، ورئيس المجلس النيابي نبيه برّي بوصفه المرجعية الشيعية الوحيدة، ولو تأخذ عليه عدم الدعوة لجلسة انتخاب رئاسية لملء الفراغ الرئاسي.
‎كانت دول الخماسية تستعجل انتخاب رئيس قبل الاتفاق على وقف النار، لعلمها أن وجود الرئيس ضرورة لمواكبة الاتفاق أو التسوية التي يحضر لها. وعلى هامش هذه التسوية تشهد الكواليس بحثا استكمالياً، لمرحلة ما بعد وقف الحرب وانتخاب الرئيس، الذي يجب أن يندرج في سياق سلة متكاملة حول الرئاسة ورئاسة الحكومة. بطبيعة الحال، وإن لم يدخل وزراء الخارجية في التسميات، لكن المرشحين لن يكونوا من خارج الأسماء المتداولة وبينهم قائد الجيش، الذي لا يزال اسمه وارداً كخيار لدى دول معنية، بينما ترى دول أخرى أن الاهتمام بالجيش من قبل دول الخماسية منبعه دور الجيش المطلوب التركيز عليه بعد الحرب، من ناحية حفظ الأمن وحماية الحدود مع إسرائيل، وحماية الاستقرار داخلياً، في ضوء تبدل المشهد السياسي الذي ستفرضه وضعية حزب الله الجديدة، ومستقبل الشيعة ومرجعيتهم السياسية ما بين إيران أو عراق السيستاني. وأن هذا المصير مرتبط بالهلال الشيعي في المنطقة، والذي لن يكون تمدده مسموحاً حسب أوساط ديبلوماسية.الشيعية السياسيةتقول تلك الأوساط، لن يكون بعيداً ذاك اليوم الذي تطرح فيه وضعية الشيعة في لبنان للتداول، بموازاة التغيرات التي طرأت على حزب الله، ودور رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وموقع إيران التي حاولت تدارك الفراغ مع استشهاد السيد نصرالله، وإثبات حضورها كحاضن لهذه الطائفة في لبنان، وطوقت حضور بري.. لولا أن سارعت عبر وزير خارجيتها إلى تدارك الأمر، كما تداركت موضوع النازحين والمساعدات، وتستدرك في إعادة الإعمار بالتعهد لبرّي أن عملية الإعمار ستبدأ في اليوم الثاني لوقف الحرب. ستكون مرحلة ما بعد الحرب مرحلة تجاذب للشيعة، في الداخل الشيعي، والحاضنة السياسية للشيعة بعد الحرب.
‎في خطابه الأخير، عاد الشيخ نعيم قاسم إلى حضن الدولة، بالقول إن انتخاب الرئيس سيكون بعد وقف الحرب استناداً إلى اتفاق الطائف ودور مجلس النواب. مرونة في الموقف ستنعكس حكماً على شخص المرشح للرئاسة. ومن أبدى مرونة في الاتفاق لوقف النار، وفي التمديد لقائد الجيش (الحاصل حكماً) لن يتشدد في المرشح الرئاسي بموازاة الوضع المستجد. داخل دول الخماسية وخارجها سيكون مستقبل الشيعية السياسية قيد الترقب والتقييم، مقروناً بخطوات الثنائي السياسية، وكيف سيتموضع بعد نهاية الحرب، ليدخل إلى عتبة مرحلة جديدة مستفيداً من أخطاء الماضي.