منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023، دخل إلى لبنان 1700 مراسل من الصحافة الأجنبية. أكثر من 650 صحافياً منهم، دخلوا فقط بعد اغتيال أمين عام "حزب الله" حسن نصرلله في 27 أيلول/سبتمبر الماضي، وتوسع بقعة الحرب لتطال نيرانُها بيروت العاصمة، وأصبح لبنان محطة جذب للصحافة الأجنبية بفعل تحوله إلى ساحة حرب ثانية في الشرق الأوسط، بعد غزة، وسط إجراءات أمنية لتجنب أي محاولة للتلطي خلف الصحافيين، بغرض تحقيق خرق أمني.
هذه الحركة النشطة للوكالات الأجنبية، ترافقت مع إجراءات أمنية مشددة للأمن العام، لا سيما بعدما تم توقيف الإسرائيلي يهوشع ترتكوفيسكي الذي دخل الشهر الماضي بجواز سفر بريطاني. في السياق، تشير مصادر "المدن" إلى تكثيف تلك الإجراءات في الوقت الراهن، إلى مستواها الأقصى، تفادياً لإمكانية دخول "جواسيس" آخرين، منتحلين صفة "صحافيين".
ولا تنحصر الإجراءات بتشدد الأمن العام بدخول الصحافي الأجنبي إلى البلاد، بل تستكمل بتشدد وزارة الإعلام بإعطائهم التصاريح للتغطية في المناطق اللبنانية، في حين تتطلب التغطية في الجنوب تصريحاً من الجيش، وفي الضاحية موافقة -بشكل غير رسمي- من حزب الله.
فما هي الإجراءات المُتخذة من قبل وزارة الإعلام؟ وماذا عن الحوادث التي حصلت لمخالفين؟ وكيف ترصد تلك المخالفات؟
تسهيلات بداعي الحرب
يقول رئيس قاعة المراسلين العرب والأجانب، في وزارة الإعلام، محمد ملي، في حديثه لـ"المدن"، إن أكثر من 1700 صحافي دخلوا إلى لبنان بعد 7 أكتوبر الماضي، فيما أكثر من 650 منهم، دخلوا فقط بعد 27 أيلول الماضي، علما أن العدد الإجمالي هو لعدد مرات الدخول، وفيه العشرات من الأسماء المكررة لصحافيين يغادرون لبنان ثم يعودون، وبعضهم لبنانيون يعملون لدى وكالات أجنبية، وجميعهم يحتاجون تصريحاً ذا طابع "مؤقت" من وزارة الإعلام، ليتمكنوا من التغطية الإعلامية على الأراضي اللبنانية كوكالات أجنبية.
ويوضح: "قبل الحرب، كانت مدة التصاريح المؤقتة تُعطى بين 10 و15 يوماً"، أما اليوم، ولتفادي حدوث ضغط كبير في عمليات تجديد طلبات التصريح للصحافيين الذين يغطون أحداث الحرب المستمرة، "بتنا نتساهل أكثر على مستوى مهلة التصريح، فنعطي التصريح المؤقت بحده الأقصى، أي مدة شهر كامل، ولا نمنحه إلا بعد التأكد بأن فيزا الإقامة للصحافي تغطي كل هذه المدة".
أما في حال مدّد الصحافي إقامته في لبنان، أو غادره ثم عاد إليه، كحال المئات من الصحافيين الذين غادروا وعادوا منذ أكثر من عام إلى اليوم، "فعليه أن يجدد تصريحه ويعيد تطبيق كل الإجراءات، كما لو كان يقدم التصريح للمرة الأولى".
إجراءات صارمة
والحال أن تسهيلات مدة التصريح بهدف تخفيف ضغط الطلبات على الإدارة، ترافقت مع تشدد وصرامة في إجراءات منحها، ويعود ذلك إلى دقة الوضع وحراجته لا سيما على المستوى الأمني، خصوصاً بعد حادثة دخول الصحافي الإسرائيلي يهوشع ترتكوفيسكي بجواز سفر بريطاني إلى الضاحية الشهر الماضي، ضمن وفد صحافي.
ويوضح ملي، أن هذا الصحافي، "لم يُعطَ تصريحاً من الوزارة، ولا حتى قدّم أوراقاً لديها بهدف الحصول على تصريح". ويطمئن: "كل الذين منحناهم تصاريح، كانت أوراقهم صحيحة ولم تحصل معهم أي مشاكل إلى اليوم".
أما الذين لم تعطهم الوزارة تصاريح، "فإما لأن إقامتهم كُسِرت، أي انتهت مدتها، أو لأنهم يعملون لدى مواقع إلكترونية أونلاين، وهي لا تندرج ضمن المؤسسات الإعلامية الأجنبية التي نعطيها تصاريح العمل المؤقت في لبنان". "لا غبار عليه"
وتُختصر إجراءات إعطاء التصريح بمراحل ثلاث: "التأكد من تمثيل الصحافي للوكالة الأجنبية التي يدّعي تمثيلها، والتأكد من الوسيلة نفسها واندراجها تحت وسائل الاعلام التي تُعطى تصريحات في لبنان، وأخيراً، إبداء الأمن العام موافقته على إعطاء التصريح للصحافي على قاعدة أن "لا غبار عليه".
يوضح ملي: "تبدأ إجراءاتنا من فيزا المطار التي يدخل عبرها الصحافي الأجنبي، أي من ختم الأمن العام، إذ نتأكد من مدة إقامته، وهي غالباً شهر لمعظم رعايا دول العالم، (3 أشهر للقادمين من الأردن وتركيا). وعلى أساس مدة الإقامة، تُعطى مدة التصريح، بحيث تغطي فترة مكوثه القانونية في لبنان، ولا تتعداها".
ويتواصل الصحافي الأجنبي مع الوزارة، التي تطلب منه بدورها تحضير كتاب موجّه لوزارة الإعلام من قبل مؤسسته، وتسليمه لقاعة الإعلاميين الأجانب، على أن يتضمن إسم الصحافي، وجنسيته، ورقم جواز السفر، وصفته المهنية، (مراسل، مصور، مهندس صوت، مخرج، منتج...). وعلى الوكالة نفسها إرسال بريد إلكتروني مباشر للوزارة وموقّع من أحد المعنيين فيها، بحيث تطلب المؤسسة بشكل رسمي من وزارة الإعلام اللبنانية، تزويد الصحافي بتصريح لتغطية الأحداث في لبنان، ضمن تاريخ محدد "من... إلى"، مما يجعل عملية التدقيق مضاعفة في تمثيل الصحافي للوكالة الأجنبية، مضاعفة.
وكالات أجنبية معروفة
ويعدد ملي أنواع الوكالات الصحافية التي يتم قبول إعطاء تصريحات لصحافييها، وهي: صحف ورقية، راديو، تلفزيون أو مجلة مطبوعة. ولا تُعطَى تصريحات لمواقع أونلاين أو شركات إنتاج production house. ويشدد على أن الوكالات الإعلامية التي تقبل كتبها، موثوقة ومعروفة، مثل "رويترز" و"وكالة الصحافة الفرنسية" وغيرها. وفي حال لم تكن معروفة، "فنحرص على التأكد من وجودها وثبوتية أوراقها".
وتنطبق على صحافيي "العمل الحر" أو "الفريلانسرز" الشروط نفسها، أي عليهم إحضار كتاب رسمي من المؤسسة التي يعملون لديها بشكل مؤقت، مع تفاصيل مدة العمل، لضمان تغطيتها مدة التصريح الذي يعطى إليهم، ما يضمن تحميل المؤسسة قانونياً، مسؤولية أي شيء يتعلق بتغطيتهم في لبنان طوال مدة التصريح.
التأكد من الأمن العام
بعد الكتاب، يأتي دور طلب التصريح الذي يقدمه الصحافي في الوزارة، متضمناً عنوانه ورقم هاتفه، ومرفقاً بصورة عن جواز سفره، وصورة عن فيزا المطار، تؤكد دخوله بشكل رسمي إلى المطار، إضافة إلى الكتاب المرسل من الوكالة التي يعمل لصالحها.
جدول للأمن العام
في هذه المرحلة، تعدّ وزارة الإعلام جدولاً ترسله إلى الأمن العام، فيه صورة عن الطلب، وختم الجواز الذي دخل على أساسه، وخلال 24 ساعة، تأتي موافقة الأمن العام، التي على أساسها يُعطى التصريح.
هنا، تكون الوزارة قد رفعت مسؤوليتها عن أي علاقة للصحافي بمؤسسات إعلامية اسرائيلية، كونه من الصعب اكتشاف ذلك، فبمجرد موافقة الأمن العام، تعطي التصريح على أساسه. أما اللبناني الذي يعمل مع وكالة أجنبية، فيطلب منه تقديم سجل عدلي في التصريح الأول الذي يطلبه، ويعطى كغيره تصريحاً مؤقتاً عن الوكالة التي يعمل لديها.
تصريح ثان في الجنوب
المخاوف الأمنية من وجود جواسيس على الأرض، يرصدون الميدان ويرسلون إحداثيات وصور، تتضاعف في الجنوب حيث المعركة البرية محتدمة.
من هنا، باتت التغطية جنوباً تتطلب تصريحاً آخر من الجيش اللبناني، يضاف إلى التصريح المعطى من قبل وزارة الإعلام. ولا يمكن لأي صحافي أن يغطي الحرب في الجنوب من دون تصريح من الجيش.
وللحصول على هذا التصريح، يرسل الصحافي تصريح وزارة الإعلام، عبر البريد الإلكتروني إلى الجيش، مرفقاً بفيزا المطار وصورة الباسبور و50 دولار عبر الـwish money تذهب لصندوق الجيش.
الجيش وقوى الأمن بالمرصاد
وأكثر ما يضبط عمليات إعطاء التصاريح، هو اضطرار الصحافيين لإعادة الإجراءات نفسها "من أول وجديد" في كل مرة يقدمون فيها على تجديد تصاريحهم.
وفي الحرب، ليس كما في السلم، فلا تسهيلات مع أحد لا في وزارة الإعلام، ولا لدى الأجهزة الأمنية، "المستنفرة" لضبط أي مخالفات أو شبهات حيال تغطيات لوكالات أجنبية بلا تصاريح، وآخرها، توقيف قوى الأمن في صيدا لوفد صحافي أجنبي، لم ينتظر أصحابه حتى تجديد رخصتهم المنتهية، مما تسبب لهم بإحراج قبل تصحيح الأمر وتجديد الرخصة.