كل اللبنانيين يرددون اليوم مقولة الرئيس نبيه بري “ما تقول فول إلا لما يصير بالمكيول”، بما يتعلق بوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل وفقا للاتفاق الذي قادة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، ويبدو بحسب المعطيات أنه ذاهب نحو الإنجاز في غضون ساعات، حيث من المنتظر أن تعقد الحكومة الاسرائيلية إجتماعا اليوم للمصادقة على هذا القرار، وذلك بعد تذليل عقبة لجنة مراقبة تنفيذ القرار 1701، بعودة فرنسا الى المشاركة لتنضم الى أميركا وبريطانيا وإسرائيل ولبنان وقوات حفظ السلام العاملة في الجنوب “اليونيفيل”.


هو تفاؤل حذر جدا، أو ربما يصح فيه القول “عم نفخ على اللبن لأن الحليب كاويني”، خصوصا أن أحدا لا يأمن الجانب الاسرائيلي، الذي أوصل وسطاء وقف إطلاق النار في غزة وإتمام صفقة التبادل الى “منتصف البئر” وأكثر وقطع الحبل بهم، وهو فعل كذلك مع لبنان يوم 27 أيلول الفائت، عندما أوحى بموافقته على وقف إطلاق النار وفقا للورقة الفرنسية ـ الأميركية التي كانت تقضي بوقف إطلاق النار لمدة 21 يوما يصار خلالها البدء بتنفيذ القرار 1701، ومن ثم إنقلب على الورقة وعلى من أعدها ومن دعمها بعملية إغتيال السيد الشهيد حسن نصرالله.


من غير المستغرب أن يعيد نتنياهو الكرّة اليوم، إما مراعاة لبعض المسؤولين الاسرائيليين الرافضين للاتفاق معتبرين أنه إتفاق رضوخ وإذعان وهزيمة، أو لإحراج لبنان بفرض شروط جديدة قد تطيح بالاتفاق، خصوصا أن لبنان قدم أقصى ما يمكن أن يقدمه في هذا الاطار.


وما يثير الاستغراب، هو التناقض الذي بدا واضحا في التصرحيات الأميركية والاسرائيلية على حد سواء، حيث أن دوائر البيت الأبيض أعلنت أنها أبلغت الصحافيين أن قرار وقف إطلاق النار في لبنان سيصدر خلال 36 ساعة، وهي نفسها عادت وأعلنت أننا حققنا تقدما كبيرا لوقف إطلاق النار في لبنان لكن لم نصل الى إتفاق نهائي، كما أن مسؤولين في البيت الأبيض أكدوا أن ترامب يريد أن ينهي هذه الحرب عندما يدخل الى البيت الأبيض، الأمر الذي يطرح جملة من التساؤلات حول جدية هذا الاتفاق الذي تتناقض حوله تصريحات المسؤولين الاسرائيليين أيضا، بين من يؤكد الوصول الى إتفاق ستتم الموافقة عليه في إجتماع الحكومة اليوم، وبين من يدعو الى عدم وقف إطلاق النار قبل نزع سلاح حزب الله، وبين من يرفض الاتفاق من أساسه.


على قاعدة “تفاءلوا بالخير تجدوه”، يتعاطى لبنان مع المعطيات المتوفرة حول إتفاق وقف إطلاق النار، خصوصا أن ما تم الاتفاق عليه يتطابق مع الرؤية اللبنانية لتطبيق القرار 1701، ويتناقض مع الرؤية الاسرائيلية التي سبق وطالبت بنزع سلاح حزب الله ومنعه من المشاركة في الحياة السياسية وبإعطائها الحق بحرية العمل العسكري في لبنان عندما تستشعر أي خطر من جانب المقاومة.


لا شك في أن إسراع إسرائيل في الموافقة على هذا الاتفاق وصولا الى إمكانية المصادقة عليه في الكابينيت اليوم، يتناقض أيضا مع ما سبق وأعلن عنه داخل الكيان أن الاتفاق يحتاج الى نحو إسبوعين لكي يبصر النور.


وهذا يعني أن سلسلة تطورات ساهمت في تحقيق ذلك، أبرزها قرار المحكمة الجنائية الدولية بإعتقال نتنياهو ووزير حربه المعزول يوآف غالانت لإرتكابهما جرائم حرب وضد الانسانية، إضافة الى تأكيد قيادة الجيش الاسرائيلي في أكثر من كتاب لها للحكومة أنه يتعرض للاستنزاف والانهاك كونه يخوض حربا عبثية من دون أفق، وكذلك الفشل الاسرائيلي في تحقيق أهداف الحرب لا في إعادة المستوطنين الى شمال فلسطين ولا في إحتلال القرى والبلدات الجنوبية لا سيما الخيام والبياضة وشمع، فضلا عن تأثير ضربات المقاومة التي بلغت مداها في يوم الأحد الاستثنائي الذي شهد إطلاق أكثر من 420 صاروخا إستهدفوا مختلف المستوطنات والبلدات وصولا الى تل أبيب وأشدود بمسافة 160 كيلومترا.


هذا الواقع، يجعل نتنياهو مقتنعا أن قدرات المقاومة تتنامى تدريجيا كلما إستمرت هذه الحرب، وأن هذا التصعيد المتدرج يحول دون إمكانية تحقيق الأهداف الاسرائيلية ويؤدي الى تأليب الرأي العام الاسرائيلي على حكومته، خصوصا بعدما أجبرت المقاومة نحو أربعة ملايين إسرائيلي على الدخول الى الملاجئ يوم الأحد الفائت، وبالتالي فإن الحل الوحيد لدرء خطر حزب الله عن الكيان وإعادة المستوطنين هو الموافقة على هذا الاتفاق الذي سيتأرجح كثيرا خلال الساعات المقبلة بين المصادقة عليه أو نسفه، وطبعا فإن كل قرار سيتخذ سيكون له تداعياته في الميدان.





Related Posts

  1. "الخيام" تحاكي "وادي الحجير".. هل يُذلل الميدان ما عجزت عنه المفاوضات؟!.. غسان ريفي
  2. الورقة الرديفة في إتفاق وقف إطلاق النار.. مجرّد وهم!!.. غسان ريفي




The post تناقض أميركي إسرائيلي حول الاتفاق.. ولبنان ينتظر أن “يصير الفول بالمكيول”!.. غسان ريفي appeared first on .