لم يحسم الخمسيني عدنان قراره بالبقاء في بلدته ببيلا، جنوبي دمشق، التي قدم إليها عائداً من لبنان، فلا كهرباء هنا، ولا وقود للتدفئة، ولا خبز بالسعر المدعوم.
ومثل غيره من العائدين، يفكر بالعودة مجدداً إلى لبنان، رغم الظروف الصعبة وتداعيات الحرب هناك، في رأيه: "التعايش مع الحرب وتداعياتها أسهل من الجوع والبرد". ويؤكد لـ"المدن"، أنه لم يستطِع الحصول على "البطاقة الذكية" التي تمكنه من شراء المواد الأساسية (خبز وغاز) بالسعر المدعوم، بسبب صعوبة الشروط، وتوجه الدولة نحو استبعاد المزيد من الأسر من الدعم.
تتشابه التعقيدات التي يعيشها عدنان مع معاناة نحو 400 ألف عائد سوري بعد الحرب في لبنان، ليبدو وكأن النظام قد قرر حرمانهم من الدعم الذي لا يشكل فارقاً كبيراً أصلاً. ويؤكد ذلك، تصاعد المطالب من العائدين لحكومة النظام بتوفير الخدمات الأساسية، وفق ما نقلت مصادر إعلامية موالية للنظام، إلى جانب المطالب بتسهيل تسجيل الواقعات المدنية (زواج- ولادات).
وكان النظام قد طالب السوريين ممن يحملون "البطاقة الذكية" بفتح حسابات مصرفية لتحويل الدعم النقدي، وذلك بالتزامن مع زيادة توافد السوريين من لبنان.
عقاب جماعي
ويمكن بحسب الباحث الاقتصادي غسان الأحمد، وصف تعاطي النظام مع العائدين من لبنان بـ"العقاب الجماعي"، معتبراً أن "النظام من خلال هذه التصرفات يريد دفع بقية السوريين في لبنان إلى عدم العودة".
ويقول الأحمد لـ"المدن"، إن عودة المزيد من السوريين تعني زيادة الضغط على البنية التحتية والخدمات المحدودة المتوفرة، مثل الكهرباء والمياه والطبابة والاتصالات، وبالطبع ليس من مصلحة النظام عودة المزيد من السوريين من لبنان.
ويشير إلى التحديات التي تواجه النظام في سبيل توفير الميزانية الكافية لدعم السكان، الناجمة عن تدهور الاقتصاد بسبب سوء الإدارة وسنوات الحرب والعقوبات الاقتصادية.
من جانب آخر، يلفت الباحث الاقتصادي إلى حسابات تمنع وصول الدعم والمساعدات إلى كل المناطق التي تستقطب الوافدين من لبنان، مؤكداً أن "النظام يخص بالمساعدات والدعم مجموعات سكانية محددة".
ويتحدث الأحمد عن عدم وجود تنسيق بين الهيئات الحكومية المختلفة، معتبراً أن "من شأن غياب التنسيق، منع المساعدات والدعم عن غالبية العائدين".
وكان النظام السوري قد أعلن أنه اتخذ قرارات تهدف إلى تقديم التسهيلات لدخول الوافدين من لبنان منذ بدء الحرب، وكذلك افتتح وجهز مراكز الإيواء في أكثر من محافظة، لاستقبال وإيواء الوافدين.
من الحرب إلى الفساد
ويحمّل الباحث الاقتصادي رضوان الدبس عدم وصول المساعدات وحرمان غالبية الوافدين من الدعم، إلى "الفساد والفوضى". ويقول لـ"المدن"، إن الفساد والتعقيدات الأمنية تمنع وصول الدعم في مناطق النظام إلى مستحقيه، خصوصاً الذين أجبرتهم الحرب في لبنان على العودة، مضيفاً أن "الوافدين أساساً هربوا من الحرب، وهم يدركون قساوة الوضع المعيشي في سوريا، ولا ننسى أن غالبيتهم تدمرت منازلهم بسبب الحرب".
ويشير الدبس إلى البؤس الذي يحكم اقتصاد النظام أساساً، قائلاً: "من الطبيعي أن يفكر قسم كبير من العائدين بالعودة إلى لبنان، رغم عدم انتهاء الحرب فيه".
ووفق أرقام شبه رسمية، بلغ عدد الوافدين السوريين من لبنان منذ أيلول/سبتمبر الماضي، أكثر من 400 ألف سوري، في ظل دعوات أممية إلى زيادة التمويل المخصص لمساعدتهم واستيعابهم، وخاصة مع حلول الشتاء.