صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب "دراسات في الفنون الإسلامية بالمغرب الأقصى والأندلس"، وهو من تأليف رامي ربيع راشد. خُصِّص الكتاب لعرض الفنون الإسلاميّة ببلاد المغرب الأقصى والأندلس خلال عصر الخلافة، ومدى تأثر كل منها بالآخر ودور الطرازات الفنية القرطبية في هذه الحضارة.قسم المؤلف الكتاب إلى قسمين؛ خصَّص الأول منهما لدراسة الفنون الإسلامية في المغرب الأقصى والثاني لدراسة هذه الفنون في بلاد الأندلس، مدعِّمًا دراسة الإقليمين الجغرافيين بمجموعة كبيرة من صور المعالم الفنية التاريخية إبّان حضارة إسلامية شملت حواضرَ مشرق الأرض ومغربها، مركِّزًا في المغرب الأقصى على حاضرة فاس الإدريسيّة، وفي برّ العُدوة من أرض الأندلس على حاضرة قرطبة الأمويّة التي أبهرت العالم الغربيّ بفنها الأندلسيّ الذي عمّ الآفاق.
المغرب الأقصى والأندلس: تأثير وتأثّر
يجمع الكتاب - اعتمادًا على المنهجين الاستقرائيّ والتحليليّ - دراسات حول الثريات المعدنية في مساجد بلاد المغرب الأقصى وخصائصها وتأثرها بثريات جامع قرطبة الأعظم، أيقونة مساجد الأندلس، وخصوصًا الجامع المريني الأعظم بحاضرة فاس، وكذلك حول الخط العربي وما شكّله من لغة تواصل وتوثيق، وتحوّله مع القرائح الفذّة للخطّاطين المسلمين فنًّا عظيمًا أنتج أشكالًا فنّيّة غير مألوفة في الحضارات السابقة، عارضًا السمات الفنية والمعمارية للخط "الكوفي المعماري"، ومنها الزخرفة الخطية البديعة لنصوص القرآن الكريم ونصوص الأحاديث النبويّة والحِكَم والأمثال والمأثورات وروائع الأعمال الأدبيّة... وغيرها، كما يستعرض العناصر الزخرفية النباتية والمعمارية في الجامع الأعظم بفاس الجديد، وزخارف جامع تازة الكبير النباتية والهندسية ونقوشه الكتابية وعناصره المعمارية، ثم مدينة وجدة ومسجدها وقصبتها وحمامها، ثم مدينة تلمسان الجديدة وحمّاماتها العظيمة وفنادقها ومارستاناتها، وخصوصًا جامعها الكبير ومناره الذي جعلوا على رأسه تفافيح من ذهب.الفنون الأندلسية: عاج وتحف وأقواس وشرافات ومعينات
سلط المؤلفُ الضوءَ في القسم الثاني من كتابه على الدور الحضاريّ الكبير للطراز الفنيّ القرطبيّ، الذي أكثر ما تمثل في جامع قرطبة الأعظم ومدينة الزهراء، وفي إنتاج التحف العاجيّة القرطبية التي تحمل نقوشَ "تصاويرَ شخصيّةٍ" للخلفاء ورجالهم وتبيِّن ما كانت تنعم به بلاد الأندلس من ترف، متناولًا بالبحث ثلاثًا منها: (علبة المغيرة)، المحفوظة في متحف اللوفر بباريس، و(علبة زياد بن أفلح)، المحفوظة في متحف فيكتوريا وألبرت بلندن، و(صندوق الحاجب سيف الدولة عبد الملك بن المنصور)، المحفوظ بكاتدرائيّة بنبلونة في البرتغال. ويبحث المؤلف في العناصر المعمارية الزخرفية في التحف والعمارة الأندلسية التي فاقت نظيراتها في بلاد المشرق ومصر جمالًا لكنها زالت اليوم من الوجود بالهدم أو الاندراس، كمدينة الزاهرة بقرطبة التي لا تزال لغزًا يحير العلماء. ويذكر بإيجاز عناصر معماريّة زخرفيّة في مؤسسات الحكم،" كـدار الطراز"، و"دار الصناعة" بمدينة الزهراء، ومنتوجات الأخيرة من التحف النفيسة، وسلاح الحرب، وحلي الزينة والعقود (الأقواس) والشرافات المسنّنة والشبكة المعينية.ويعرّج المؤلف على دراسة خصائص مئذنة الجامع الكبير بإشبيلية المسمّاة (ألخيرالدا)، التي تناطح السماء، ويتناول ظروف نجاتها من الهدم، برفض القائد الصليبي القشتالي ألفونسو بعد احتلاله إشبيلية طلبَ وُلاتِه هدْمَ مسجدِها الجامع، فحوّله إلى كاتدرائيةً تشمخ فيها هذه المئذنة شاهدة على بصمات الإسلام الحضارية. كما يتناول المؤلف النقوش الكتابية التي كانت تُرسم على العمائر وتسمى "العبارات الدعائية"، الدنيوية والدينية، بوصفها أحد مظاهر التأثير الفني في العمارة والفنون الإسلامية.