تعيد سيطرة الفصائل الإسلامية على مدينة حلب ومناطق واسعة في شمال سوريا خلال الأيام القليلة الماضية، الصراع المستمر في البلاد منذ العام 2011 إلى مصدره الأساسي، من دون رتوش أو تجميل، بوصفه حرباً أهلية على أساس طائفي، خصوصاً في مواقع التواصل حيث كانت الهوية السورية المتخيلة تختفي في النقاشات لصالح الهوية الطائفية/الدينية الأضيق.
ومنذ اللحظة الأولى لبداية عملية "ردع العدوان" لم يكن هناك محاولة أصلاً لإخفاء البعد الطائفي للعمليات العسكرية والمشاركين فيها، خصوصاً من طرف "هيئة تحرير الشام" وهي تنظيم جهادي فك ارتباطه شكلياً بتنظيم "القاعدة" ومازال يحافظ على الأيديولوجيا المتطرفة. ولا يقتصر ذلك على البروباغندا الرسمية لتلك الفصائل ولا على الناشطين الذين يدورون في فلكها، بل أيضاً في المهللين لها حتى من طرف السوريين في المنافي أيضاً، ما فتح نقاشات حول الأسباب التي تجعل أشخاصاً يعيشون مثلاً في الديموقراطيات الغربية منذ سنوات يحتلفون لانتصارات تحققها تنظيمات جهادية من دون التفكير في تداعياتها على النسيج المجتمعي والهوية الوطنية.
النصارى يعيشون في مدينة #حلب بكل أريحية، وحوار لطيف مع أحد الثوار#ردع_العدوان pic.twitter.com/4QxhZlPV0n
— أبو عبدالله آل الشيخ النعيمي (@wa9805614) December 1, 2024
وانتشرت مقاطع فيديو من حلب، تظهر مقاتلين يعرفون عن أنفسهم بأنهم "من أهل السنة" وهم يقابلون "النصارى" في المدينة التي تتواجد فيها كنائس تاريخية. وفي أحد أبرز تلك الفيديوهات، تظهر سيدتان مسنتان في الشارع بينما يلاحقهما العناصر من أجل إجراء "حوار" معهما، حتى لو لم ترد السيدتان سوى المرور في طريقهما. والهدف من ذلك الحوار القسري هو "إظهار كيفية المعاملة الحسنة" التي ينشرها المجاهدون بين الأقليات، تنفيذاً ربما لتعليمات ظهرت في بيانات ورسائل من زعيم "هيئة تحرير الشام" أبي محمد الجولاني.لكن هذا "الحوار" ليس سوى نوع من العنف النفسي، يهدف إلى خلق صورة دعائية تُبرز "التسامح" الذي تدعيه الهيئة. ما هو أكثر إثارة للصدمة هو الطريقة التي يتم فيها تصوير هذه المواقف كإنجاز إنساني عظيم، بينما الواقع يُظهر أن مجرد السماح لـ"الكفار" بالسير في الشوارع من دون التعرض للأذى يُعتبر كافياً لتلقي الثناء. هذا الأسلوب لا يختلف كثيراً عن بروباغندا النظام السوري، التي طالما قدمت صورة مشابهة عن "الأمن والأمان" في المناطق الخاضعة لسيطرته.والأمر نفسه ينطبق على مقاطع فيديو أخرى تظهر عمليات تفتيش في بيوت المدنيين، وتصويرها لـ"إظهار المعاملة الحسنة" للمدنيين الذين لا يمكن لهم أصلاً الاعتراض ولو بكلمة أمام الأسلحة المشرعة في وجوههم، والسمعة المعروفة أصلاً عن الجهاديين وما قاموا به على الأقل في إدلب حيث توافرت لهم فرصة للحكم ولم يقدموا فيها أكثر من نموذج "طالبان" في أفغانستان، وفق تفسيرهم المتشدد لـ"الشريعة الإسلامية".
هذا هو حال النصارى والأقلّيات في #حلب بعد سيطرة الثوار عليها..تابعونا ليصلكم كل جديد: @@pressrahhal pic.twitter.com/WSMWeerLlB
— أحمد رحال Ahmed Rahhal (@pressrahhal) December 1, 2024
وفي مقاطع أخرى ظهر مدنيون في السوق وهم يتحدثون عن السماح لهم بالتسوق ونصب أشجار الميلاد في بيوتهم وغيرها، لكن تلك المقاطع أيضاً آتية من ناشطين وإعلاميين تابعين مباشرة للهيئة، وليست من مصادر مستقلة، وهي تظهر زاوية واحدة من المشهد ولا تشير أصلاً لوجود مخاوف بين السكان ولا تسأل عن تلك المخاوف، بل تتحدث فقط عن "طمأنة الأقليات".ويجب القول أن هذه النوعية من المقاطع المصورة لا تبالي أصلاً بحياة ومشاعر من يظهر فيها من المدنيين مهما كانت طائفتهم، بل تسعى فقط لإظهار صورة دعائية معينة، فيما تتطفل العدسات على الأشخاص لإجبارهم على الحديث، بينما تنتهي مهمة الأفراد بالنسبة لمعدي تلك الفيديوهات مع ابتعادهم السريع عن الكاميرا التي اقتحمت خصوصيتهم واستغلت وجودهم وخوفهم.وهنا، تعود "قداسة الثورة" للبروز بين المعارضين للنظام السوري في نقاشاتهم الداخلية، بحيث يصبح الحديث عن مخاوف من طرف الأفراد، خارج سوريا تحديداً، من الطبيعة الجهادية للفصائل المسلحة في سوريا اليوم، كافياً لتوجيه تهم التخوين وعدم الوطنية لهم، حتى لو كان المعبّرون عن تلك المخاوف صحافيين وناشطين أمضوا معظم العقد الماضي في تحدي النظام السوري، وتتراوح الاتهامات التي تلاحق أولئك الأفراد من "الفوقية والتعالي والانفصال عن الواقع" إلى كونهم "أدوات للمشروع الغربي" إلى "مصادرة الفرح بهزيمة النظام" ما يرتقي ربما إلى "وهن نفسية الأمة".وهنا يتم احتكار الوطنية والانتماء وتوزيع شهادات حسن السلوك على الأفراد الذين يجب عليهم أن يغضوا النظر عن مخاوفهم "المبالغ فيها" تجاه تنظيمات جهادية طالما أنها تقاتل نظام الأسد، لينتشر فرز مواز يقسم المعارضين أنفسهم إلى "ثوار" و"مجرد معارضين". ويصبح الثوار الذين يحملون السلاح و"يناضلون" من أجل الحرية مهما كانت الطريقة والأسباب والنتائج، أفضل، وفق هذا المنطق، من المعارضين الذين يحاولون تحليل الأمور بمنطق أو التعبير عن مشاعر إنسانية طبيعية من الخوف إلى الأمل والحلم مثلاً.
لكل مين عم بشكك وبطعن بجهود الثوار بعد تحرير حلب من الأسد ونظامه المجرم معاملة الثوار مع أهل حلب بمختلف الطوائف والأديان عم يساعدو أهل المدينة سواء كانو مع أو ضد ما عم يفرقو بين حدا ومو مقصرين عم يلبو كل احتياجات المنطقة ، هي أخلاق ثوار سوريا مو غريبة عليهم