يتصاعد التوتر في مناطق شمال سوريا بين القوات الكردية والفصائل الموالية لتركيا. تزامناً مع وقوع انفجار عنيف، هز اليوم مدينة منبج بريف حلب الشرقي إثر انفجار سيارة ملغومة على الطريق السريع الرئيسي، مما أسفر عن سقوط 15 قتيل و15 جريح، بحسب الدفاع المدني السوري.وقد وقع الانفجار في مناطق نفوذ "الجيش الوطني"، وهو من الفصائل الموالية لتركيا، ويعد هذا التفجير السادس من نوعه في مناطق نفوذ هذه الفصائل مؤخراً. وكانت فصائل "الجيش الوطني"، المدعومة من تركيا، قد سيطرت الشهر الماضي على مدينة منبج بعد اشتباكات مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد".يُشار الى أن منطقة واسعة من شمال وشرق سوريا تقع تحت سيطرة "الإدارة الذاتية" التي أنشأتها وحدات حماية الشعب الكردية العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية بعد اندلاع الثورة في سوريا عام 2011. والى جانب الإشتباكات المتواصلة، تدور مفاوضات بين الإدارة الذاتية، والإدارة السورية الجديدة التي حلت بعد سقوط نظام الأسد، في محاولة من الأخيرة بسط سيطرة الدولة على كامل سوريا.وسبق وأن صرح الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع أن القوات الكردية هي الطرف الوحيد الذي لم يلبي دعوة الإدارة الجديدة لحصر السلاح بيد السلطة، وأضاف أنه لا يمكن القبول بوجود مجموعات المقاتلين الأجانب في سوريا. فيما أعلنت "قسد" سابقاً أنها مستعدة للاندماج ضمن الجيش، واضعة بعض الشروط، إحداها رفض تسليم السلاح.*********وتعد الولايات المتحدة الأميركية من أبرز الداعمين لـ"قسد"، وسبق وأن أفادت واشنطن على لسان مسؤوليها بأن الأكراد حليف موثوق ومهم لها في إطار محاربة تنظيم داعش الإرهابي. ومنذ أيام، تم إرسال شاحنات وطائرات شحن أميركية تحمل أسلحة ومعدات عسكرية متطورة إلى قسد. وفي المقابل، دفعت إدارة العمليات العسكرية في دمشق بأرتال من القوات باتجاه مناطق الإدارة الذاتية.وعلى الرغم من إعلانها القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في آخر معاقله في منطقة الباغوز شرقي دير الزور عام 2019، فإن قوات قسد ما زالت تصدر نفسها للعالم على أنها تحارب الإرهاب، مستغلة حمايتها وإشرافها على السجون التي تضم الآلاف من عناصر وقيادات التنظيم الذين مازالت دولهم ترفض إعادتهم. وهي لا تزال تسيطر على مساحة تزيد عن 35 ألف كيلومتر مربع، أي قرابة 18.92% من أراضي سوريا.بينما تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية امتداداً لحزب العمال الكردستاني وتصنفها على أنها جماعة إرهابية، وتحاول تصفيتها. وتطالب أنقرة واشنطن منذ فترة طويلة بسحب دعمها لوحدات حماية الشعب، في حين خاضت قوات تركية وجماعات متحالفة معها مراراً معارك في سوريا ضد مسلحين أكراد.من جهة أخرى، أفادت مصادر عسكرية كردية أن مقاتلي "قسد" في ريف حلب يتلقون دعمًا استخباراتيًا كبيرًا من بريطانيا، الشريك الأساسي لواشنطن ضمن التحالف الدولي في البلاد، مما يساعدهم على مقاومة الفصائل المدعومة من تركيا، وشن كمائن ضدها، وتكبيدها خسائر كبيرة. وأوضحت المصادر أن هناك تنسيقًا مستمرًا بين الاستخبارات البريطانية، وقوات "قسد"، ما مكّن الأخيرة من اعتقال عناصر من الجيش الوطني خلال معارك ريف حلب، بينهم جنود أتراك. كما أن ظهور صور ومقاطع فيديو لـ"كريستوفر لي"، القائد الثاني لشركة "Aegis Forces" العسكرية البريطانية الخاصة، في أربيل، بالتزامن مع زيارة قائد "قسد" مظلوم عبدي الى أربيل ولقائه برئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، قد قطع الشك باليقين عن دعم لندن للأكراد، بحسب صحيفة "أيدينليك" التركية.ونوهت الصحيفة ذاتها، الى أن بريطانيا التي ساهمت سابقا بإفشال الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وكانت على عكس الأميركيين سنداً له ضد معارضيه، تتعارض ممارساتها في سوريا اليوم مع الأمن القومي التركي، ومحاولات أنقرة القضاء على الفصيل الذي يهدد حدودها الجنوبية. ورجحت بأن لندن تريد نيل نصيبها في السيطرة على منابع النفط السورية والممسوكة من قبل الأكراد والأميركيين.ووفق ما أفاد به المحلل السياسي عبدربه داوود، فإن الوضع المتفجر في شمال سوريا والإنفجارات التي تهز منبج بين الحين والآخر، يُشير الى اليد الطولى للإستخبارات البريطانية التي لطالما استخدمت هكذا أساليب في العالم لإرهاب الأطراف المتناحرة وتعزيز الخلاف المفضي الى صفقة تهيمن عليها المصلحة البريطانية في النهاية. وحذر من مخاطر التصعيد الحاصل من قبل الأطراف الأجنبية على الوضع في سوريا وعلى إستقرارها. وأشار المحلل الى أن واشنطن تبارك الوجود الكردي المسلح بهذا الشكل وتستخدمه كواجهة لمحاربة داعش بينما تترك لبريطانيا مهمة تولي الأمور الفنية والتقنية والدعم. كما أضاف بأن تركيا التي كانت تعول على تحقيق نصر سريع وإنهاء قسد بقوة السلاح، وعبر فصائل الجيش الوطني، تزامنا مع الزحف السريع لهيئة تحرير الشام الى دمشق وسقوط نظام الأسد، اصطدمت بقوة قسد والتحالف المتين الذي يربطها بالولايات المتحدة وبريطانيا.يُشار الى أن وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" جددت في ديسمبر 2024 تأكيدها على أن مهمة قواتها لهزيمة داعش لا تزال مستمرة في سوريا، إضافة الى دعم الشركاء المحليين على الأرض (قسد). كما أعلن "البنتاغون" أن هناك حوالي 2000 جندي أميركي في سوريا. إلا أن مسؤول دفاعي طلب عدم الكشف عن هويته قال لشبكة "أن بي سي" أن عدد القوات الأميركية في سوريا قد يكون أعلى بكثير.فيما يتشارك الأميركيون مع البريطانيين قواعدهم في سوريا، وتعد قاعدة التنف على الحدود السورية الأردنية العراقية من أبرزها. فقد نشرت صحيفة "غارديان" البريطانية في 2016 صورا للمركبات العسكرية البريطانية التي تدعى "الثعلب" حول هذه القاعدة، وفي هذه المركبات جنود من القوات البريطانية الخاصة يحملون صواريخ مضادة للدبابات ومدفعية ثقيلة ورشاشات قنص.