حدثان خطيران يحكمان المشهد في كلٍ من سوريا ولبنان يدفعان "حزب الله" إلى التمسك بسلاحه، رغم كل المطالبات الدولية والإقليمية والمحلية لنزع هذا السلاح بعد الحرب المدمرة التي شهدها لبنان، وانتهت بتوقيع اتفاق يعطي إسرائيل الحقّ في ضرب أي هدف لها على طول الأراضي اللبناني - السورية.إنتهت الحرب في لبنان ولم تنتهِ، فلا يمر يوم إلاّ وتنفِّذ إسرائيل هجمات عسكرية لأهداف تابعة لـ"حزب الله"، أما في سوريا فيشهد العالم منذ أيام، مجازر دموية خلفيتها طائفية ومذهبية في الساحل السوري، تستدعي تدخلاً سريعاً لجميع القوى العالمية لوقف هذه المذابح ومحاسبة مرتكبيها.هذه العوامل تجعل "حزب الله" متمسكاً أكثر بسلاحه، ولا شك أن إسرائيل التي خرجت من الحرب منتصرة لن تكتفي بهذا القدر من الإنجازات. فهي تعتقد أن الفرصة متاحة لاستكمال مشروعها في المنطقة، وهذا يقتضي تفجيرها مذهبياً وعرقياً.لذا، كل احتمالات وقوع حرب أهلية في سوريا ولبنان واردة بقوة، حتى لا تبقى طائفة في العالم العربي إلاّ وهي ضعيفة ومفكّكة وعاجزة، وبحاجة إلى حماية خارجية.وإسرائيل ترى أنها أمام فرصة تاريخية قد لا تتكرّر لتقدم نفسها حاميةً للأقليات كما تفعل في جنوب سوريا، من هنا خطورة ما يحصل في سوريا الذي يهدد لبنان وتركيا بالتقسيم. فالمنطقة تعيش على مخزن لهب طائفي خطير، وكل أدوات الفتنة جاهزة، ما يستوجب أعلى درجات الوعي والمسؤولية والتحصين الوطني، حتى لا يقع اللبنانيون ضحية ما يجري في سوريا بتداعيات كيانية هذه المرة.وهنا يطرح السؤال الكبير المتعلق بسلاح "حزب الله"، فالمعطيات التي يذكرها مقربون من الحزب، تؤكد أنه لا يخطر ببال أحد في الحزب أن يسلِّم سلاحه، هذا السلاح وُجد للدفاع عن لبنان وشعبه وأن وظيفة السلاح هي حماية لبنان ومواطنيه، بعدما أظهرت التجربة التاريخية عدم اهتمام الدولة بالدفاع عن سيادتها ومواطنيها، وأنها لا تضع في أولوياتها واستراتيجيتها تحرير أراضيها.وما من دليل على الحاجة إلى هذا السلاح على لسان مقربين من "حزب الله" أكثر مما يجري في سوريا والخطر الداهم على الحدود الشرقية، والحاجة ليكون اللبنانيون جاهزون جيشاً ومقاومة لمنع التكفيريين من الدخول إلى الأرض اللبنانية وارتكاب مجازرهم على غرار ما شهدناه في الساحل السوري.ويضيف المقربون من "حزب الله" أن أرض الجنوب بقيت تحت الإحتلال الإسرائيلي ثمانية عشر عاماً دون أن يكون للدولة حضوراً فاعلاً وحقيقياً في ميادين التحرير، فاضطر سكان الجنوب لحمل السلاح والدفاع عن قراهم والقضية اليوم اصبحت أخطر بكثير مما سبق، فإسرائيل تريد إزالة كل الوجود السكاني في جنوب لبنان، وهذا يقتضي أعلى درجات التمسك بالسلاح بنظر الحزب، وما يحصل في الساحل السوري من تطهير طائفي يرفع من منسوب القلق لدى أهل الجنوب اللبناني أن يحصل بهم ما يحصل في سوريا، لذا يعتبر الحزب أن السلاح غير خاضع للتسوية ولا للتسليم طالما التهديدات التي تهدّد لبنان وشعبه هي بهذه الخطورة.وحدها السياسة الدفاعية التي تضمّنها خطاب القسم يمكنها أن تُخرج هذا السلاح من حالة الإنقسام التي تدور حوله وتقدّم إجابات حقيقية لهواجس كل فريق حول المخاطر التي تحيط بلبنان، أكان من ناحية إسرائيل أو من ناحية سوريا، ولكنها تتطلّب استعداد جميع الفرقاء، وفي مقدمهم "حزب الله" وأخصامه، لحوار موضوعي وواقعي يتوصّل إلى الصيغة الأنسب للدفاع عن لبنان بعيداً عن المواقف المسبقة والأفكار الجامدة والمعادلات السابقة.