نقل موقع "Detaly" الإسرائيلي الناطق باللغة الروسية عن الموقع الإسرائيلي "واللاه" الأربعاء، نصاً كان قد نشره الأخير بالعبرية الثلاثاء، بعنوان "مستنقبل سوريا ستقرره الصراعات بين الطوائف"، كتبه الدكتور حاييم جولوفنشيك، خبير في شؤون الشرق الأوسط ومحاضر سابق في جامعة بار إيلان في برامج الأمن.والنص هو التالي:الأحداث الدموية التي شهدتها سوريا في الأيام الأخيرة، والتي لم تكن مفاجئة، وقعت بين العلويين الموالين للأسد ونظام الرئيس أحمد الشرع الجديد. وفي الوقت عينه، فإن النهاية غير المتوقعة والناجحة للمفاوضات بين الشرع والزعيم الكردي مظلوم عبدي بشأن ضم الأكراد (قسد) إلى الحكومة والجيش تجبرنا على العودة مرة أخرى إلى تاريخ الأمة السورية، والتذكير بأنها لم تكن كياناً متجانساً لدولة على مدى 1200 عام، أي حتى القرن العشرين.وعلى مدى قرون عديدة، سواء قبل الحكم العثماني أو أثناءه، كانت هناك استقلالية سياسية واجتماعية في سوريا للطوائف المسلمة غير السُنية، والأقليات العرقية المختلفة. كان العلويون في محافظة اللاذقية، والدروز في جبل الدروز على هضبة حوران وفي جبال لبنان، والشيعة والأكراد والتركمان في ممرات جبال طوروس. وجميعهم استخدموا المزايا الجغرافية والطبوغرافية لمناطقهم لممارسة سلطة ذاتية كاملة تقريباً ضد الأغلبية السنية المسلمة المهيمنة. ومن المهم اليوم أن نتذكر أن السنة ما زالوا يعتبرون العلويين والدروز والشيعة مرتدين حقيقيين.مسلسل تاريخيتبدأ أحداث المسلسل التاريخي خلال الحرب العالمية الأولى، حيث كانت الإمبراطورية العثمانية في المراحل الأخيرة من انهيارها. واندلع في تلك المرحلة صراع شرس بين بريطانيا وفرنسا من أجل السيطرة على أراضي الإمبراطورية الشاسعة في الشرق الأوسط. وكانت القوتان تسعيان لهدف مشترك وهو تحفيز إنتفاضة العرب ضد العثمانيين. ترافق ذلك مع دعاية بريطانية نشطة، حاولت إقناع العرب بأن بريطانيا هي حليفهم الطبيعي. كما ترافق مع البروز الواضح لطموحات فرنسا التي كانت تعتبر سوريا منطقة نفوذها منذ عهد الصليبيين، حتى أنها كانت تقترح ضم أراضي فلسطين وسوريا إلى بلاد الشام الفرنسية (France du Levant).في نهاية المطاف، ولأسباب سياسية وجيواستراتيجية، توصلت بريطانيا إلى استنتاج مفاده أنها سوف تضطر حتماً إلى التوصل إلى اتفاق مع فرنسا. وهكذا بدأت المفاوضات التي أدت فيما بعد إلى توقيع اتفاقية سايكس بيكو التي حددت حدود الشرق الأوسط. والمبدأ الأساسي الذي كان يقوم عليه هذا الاتفاق هو أن وجود دولة عربية موحدة في المنطقة لن يكون متوافقاً مع الطابع القومي العربي، وهي الأطروحة التي لا تزال سارية المفعول حتى يومنا هذا.كان إعلان فيصل ملكاً على سوريا في آذار/مارس 1920 من قبل المؤتمر الوطني السوري أول محاولة لإنشاء دولة وطنية سورية، لكن الأمر لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما طردته فرنسا، سعياً إلى إضعاف القومية العربية وتقطيع أوصال الدولة السورية المستقبلية.وفي إطار هذه الإستراتيجية، تم ضم طرابلس وصيدا وسهل البقاع للبنان. كما تم ضم لواء الإسكندرون إلى تركيا مما أدى إلى صراع طويل الأمد بين البلدين. وذهبت فرنسا إلى أبعد من ذلك، فقسمت سوريا إلى أربع كيانات مستقلة: دمشق، وحلب، والمنطقة العلوية، وجبال الدروز.كان الرئيس حافظ الأسد، ابن الأقلية الدينية المكروهة جداً في سوريا، هو الذي نجح في توحيد السوريين تحت قيادته، وتحويلهم، من خلال القمع الوحشي إلى حد كبير، إلى مواطنين مخلصين لدولة مستقرة وقوية ومؤثرة في الشرق الأوسط. لكن كل ذلك إنتهى بهروب ابنه بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024.تحدي للنظام الجديدتسلط أحداث الأيام الأخيرة ومذبحة العلويين الضوء مرة أخرى على التحديات التي تواجه أحمد الشرع، الشخصية السابقة في تنظيم الدولة الإسلامية، والذي أعلن أن هدفه هو محو الحدود المصطنعة التي أنشأتها اتفاقية سايكس بيكو. ومنذ وصوله إلى السلطة، عمل الشرع بشكل نشط على تعزيز أجندة وطنية تشمل كل المجموعات الدينية في سوريا.مؤتمر الحوار الوطني الأخير الذي عقد قبل أيام، ورغم عدم مشاركة الأكراد فيه، إلا أنه استطاع أن يقدم للعالم مظهراً من الوحدة الوطنية، أو على الأقل السعي إليها.وحتى لو افترضنا أن الشرع قد تخلى حقاً عن أيديولوجية الجهاد على نمط تنظيم الدولة الإسلامية، وأنه لا يقوم بتمثيلية من أجل تأمين التمويل العربي والأوروبي لإعادة إعمار سوريا، فمن الصعب أن نصدق أن قروناً من إراقة الدماء والتنافس الطائفي سوف تختفي بين عشية وضحاها. إضافة إلى ذلك، ظلت سوريا الحديثة على مدى السنوات الثمانين الماضية تحت حكم أنظمة عسكرية وحشية أبقت السكان في حالة خوف دائمة، وأجبرتهم على الاندماج في دولة واحدة من خلال الإرهاب والقمع. وعلى النقيض من مصر، على سبيل المثال، لا تتمتع سوريا بتقاليد الوجود كدولة قومية مستقلة.التهديد الذي تواجهه الأقليات ومستقبل الصراعلذلك يمكن الافتراض أن الأقليات الإثنية والدينية القوية في البلاد من غير المرجح أن تتخلى طواعية عن سلاحها وتستسلم للشرع على المدى الطويل، على الرغم من إتفاقه غير المتوقع مع الأكراد. وهذا ينطبق بشكل خاص على العلويين والدروز، وهو ما يضمن عملياً واحداً من السيناريوهين التاليين: إستمرار عدم الاستقرار والاشتباكات الدموية الدورية بين الأديان؛ إقامة دكتاتورية سنية تحل محل الدكتاتورية العلوية وتقمع الأقليات بوحشية وبقبضة من حديد.بالنسبة لإسرائيل، بطبيعة الحال، فإن الخيار الأول هو الأفضل ــ عدم الاستقرار الدائم في سوريا، لأنه سوف يسمح بإنشاء تحالفات مع مجموعات عرقية ودينية طرفية، بما في ذلك العلويين، حتى ولو كانت تبدو الآن وكأنها تحت السيطرة الكاملة للشرع.