في حدثٍ لافت تمثل في عبور حافلات إسرائيلية تحمل رجال دين دروز من سوريا إلى إسرائيل، في زيارة وصفت بـ"التاريخية" من قبل الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل، أُقيمت الزيارة الأولى من نوعها منذ عقود تحت مظلة لقاءات عائلية ودينية، بعد سنوات من الانفصال بسبب الحدود.
الزيارة التي شملت دروزًا من القنيطرة وريف دمشق، أثارت الجدل حول دوافع إسرائيل وأهدافها من هذه الخطوة، وسط غياب دروز السويداء عن الزيارة، مما فتح المجال لتساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطوة تحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز الإطار الإنساني والديني. إذ يرى البعض أن إسرائيل قد تسعى لإحياء تحالف قديم مع الدروز في سوريا أو تعزيز نفوذها في جنوب سوريا، في إطار استراتيجيتها الإقليمية الأوسع.
تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، التي أكد فيها أن إسرائيل ستتصدى لأي تهديد يطال الدروز في سوريا، عززت هذه الفرضية، بالإضافة إلى إعلان إسرائيل عن إرسال مساعدات إنسانية للدروز في سوريا، بما في ذلك 10 آلاف حزمة غذائية، مما طرح تساؤلات حول مدى استغلال إسرائيل لهذه المساعدات كأداة لتحقيق أهداف سياسية.
إسرائيل التي تعتمد تاريخيًا على تحالفاتها مع الأقليات في المنطقة، تبدو حريصة على توظيف العلاقات مع الدروز كجزء من استراتيجيتها الإقليمية. إلا أن موقف الدروز السوريين، خاصة في السويداء، يرفض التدخل الخارجي، حيث أكد الدروز في سوريا انتماءهم لسوريا ورفضهم الحماية الإسرائيلية، ما يعكس تمسكهم بالهوية الوطنية السورية.
وفي تعليقه على الزيارة، أكد الوزير السابق صالح طريف، خلال حديثه لبرنامج "التاسعة" على سكاي نيوز عربية، أن الزيارة كانت "إنسانية من الدرجة الأولى"، مشيرًا إلى أن "هذه الزيارة كانت لقاء لأقرباء لم يلتقوا منذ عشرات السنين، وهي بعيدة كل البعد عن السياسة". ومع ذلك، أشار طريف إلى أن إسرائيل قد تحاول استغلال الدروز لتحقيق أهداف استراتيجية، قائلاً: "إذا كانت إسرائيل تريد استغلال الدروز، فهي لن تنجح في ذلك".
وأكد طريف أن الدروز في سوريا يطالبون بحياة كريمة وعادلة بعد سنوات من المعاناة تحت حكم مستبد، مشيرًا إلى أنهم "ليسوا بحاجة إلى حماية إسرائيلية". كما شدد على ضرورة تمسك الدروز في سوريا بوحدتهم الوطنية، قائلاً: "الدروز في سوريا يعملون من أجل وحدة سوريا، ولديهم القدرة على الدفاع عن أنفسهم دون تدخل خارجي".
غياب دروز السويداء عن الزيارة يُظهر تمسكهم العميق بهويتهم الوطنية ورفضهم لأي تدخل خارجي، وهو ما أكده طريف بالقول: "إسرائيل لم تستشر الدروز في سوريا قبل الإعلان عن توسيع المنطقة العازلة في جنوب سوريا". وأكد أن "الدروز في سوريا لهم حق شرعي في المطالبة بحياة أفضل، ولكن ذلك يجب أن يكون في إطار السيادة السورية".
بينما تستمر إسرائيل في محاولاتها لتعزيز نفوذها في جنوب سوريا، يبقى موقف الدروز السوريين ثابتًا في رفض أي تدخل خارجي، وتمسكهم بوحدتهم الوطنية وهويتهم السورية. وعلى الرغم من الطابع الإنساني للزيارة، تظل محط تساؤلات حول أبعادها الاستراتيجية، وكيف ستتعامل إسرائيل مع تحديات هذا الموقف، وكيف سيحافظ الدروز السوريون على هويتهم في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة.