من المفارقات، على هامش ذكرى اغتيال الزعيم الدرزي كمال جنبلاط (1977) سألني الزميل علي سفر عن صاحب كلمات أغنية "الذكريات"(*) بصوت الفنان مارسيل خليفة من ألبوم "فرح" صدر في بداية الثمانينيات، وكتبت في رثاء جنبلاط، كانت الوجهة الأولى للبحث والتأكد من صاحب الكلمات في محرك البحث "غوغل". لم نتوصل إلى نتيجة، نص الأغنية منشور في الكثير من المواقع من دون توقيع، أو إمضاء أو أي إشارة لصاحبها، حتى النائب السابق وليد جنبلاط استعمل كلمات الأغنية عام 2024 من دون ذكر اسم صاحبها.كان الظنّ الأول أن الكلمات ربّما تكون للشاعر محمد العبدالله، ابن بلدة الخيام وأحد الذين غنى مارسيل خليفة الكثير من قصائده. هذا الظن أو التخمين، مرده أن أجواء القصيدة متشابهة مع الأجواء التي يكتبها العبدالله، ولم يكن في محله. فأجواء القصائد في تلك المرحلة أحياناً تتشابه بين محمود درويش ومحمد العبدالله والكثير من شعراء الجنوب والقضية الفلسطينية والمناخ الثورجي. في المحصلة، فشلت المحاولات الفضولية الأولى في معرفة من كتب قصيدة "الذكريات". عدنا إلى المؤرخ والباحث محمود الزيباوي الفضولي أيضاً في هذا المجال، قال إنه لا يذكر، وبعد البحث في كاسيتاته القديمة تحديداً في كاسيت "فرح"، قال إن الأغنية غير موقعة، وعلمنا من أكثر من مصدر أن مارسيل خليفة لم يكن يوقع بعض الأغاني، يعدّها عملاً جماعياً ضمن فِرْقَة "الميادين" التي اشتهرت في السبعينيات والثمانينيات حتى التسعينيات. كان اللجوء أخيراً إلى الشاعر شوقي بزيع، وهو له أغنية "جبل الباروك" ضمن البوم "فرح"، سألناه هل هذه قصيدة "الذكريات" لمحمد العبدالله؟ أجاب: "لا، "الذكريات" هي مقطع من قصيدة طويلة عن كمال جنبلاط لحسن عبد الله، وهو لم ينشرها للأسف في أي من مجموعاته". وبات السؤال أين قصيدة "الذكريات" كاملة، هل من يتبرع في إيجادها ونشرها من جديد، وهي تفتح الجدل حول القصائد المغناة غير الموقعة، التي ربما تصبح مشكلة في المستقبل.
(*) الذكريات
الذكريات تجيء ولا تؤذي
ويأتي راضياً في الذكريات
متألقاً في زيّه حربيّ لم يتعب ولم يذهب
ويلعب ضد كل لاعبين على المكان ما غادر الميدان
لا في السلم مفتقد
ولا في الحرب مفتقد
ولا في المهرجان
مفتقد
ما غادر الميدان يخضر اخضراراً
أحمراً فوق الخنادق
أخضراً فوق الصنوبر
أزرقاً فوق الزمان
لتنام لتنام وتنام
نمشي حاملين إليك صفصاف الكرى
لتنام ملئ الصور
حراً مطمئنا كالحقول على بساط الفجر
نمشي باتجهاك بقوة الآلام نمشي باتجهاتك
تطرد خوفنا منا وتطرد ضعفنا
غضبي يرابط في ممر ضيق
بين الخيانة والأمانة فاحذروا منّي
أنا المترنح الصامد أنا المتراجع العائد
أنا المتهدم الصاعد وأنا النهار المطفئ الشاهد
من أول الصحراء حتى البحر
ملحمتي التي انتظرت طويلاً قادمة
ودمي اعتراض ثابت لا يلدغ ومقاومة.