أصدرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً بعنوان "تداعيات عمليات التدمير والاستيلاء التي مارسها نظام بشار الأسد على الملكيات الخاصة في محافظة درعا وأثرها على عودة اللاجئين والنازحين"، سلَّطت فيه الضوء على سياسة التدمير المتعمدة والمنهجية التي اتبعها نظام الأسد للاستيلاء على المنازل والأراضي والعقارات، مستخدماً في ذلك مجموعة واسعة من القوانين والتشريعات التي تفتقد إلى الشرعية القانونية.
جاء التقرير في بابين رئيسين؛ احتوى الباب الأول على ثلاثة فصول، فيما تضمَّن الباب الثاني أربعة فصول:الباب الأول: تطرق هذا الباب إلى انخراط أهالي محافظة درعا في الحراك الشعبي السوري، وتداعيات ذلك على حياتهم وممتلكاتهم العقارية. كما تناول مسار تطور الحراك الشعبي السلمي المطالب بالديمقراطية، وردَّ فعل نظام بشار الأسد العنيف تجاه هذه المطالب منذ بداية آذار/مارس 2011، مستعرضاً أبرز الانتهاكات الجسيمة التي نفذها النظام وحلفاؤه، ومبيّناً حجم الدمار الواسع الذي لحق بالممتلكات والبنى التحتية في المحافظة نتيجة لهذه الممارسات.الباب الثاني: تناول هذا الباب بالدراسة والتحليل حالات منتقاة من مدينة درعا، شملت أحياء مخيم اللاجئين ومخيم النازحين وطريق السد، إضافة إلى مناطق من ريف المحافظة متمثلة في بلدة خربة غزالة ومدينة نوى، كنماذج توضح نمط الانتهاكات في الريف. واستعرض التقرير أبرز الانتهاكات المرتكبة في هذه المناطق، متتبعاً الأضرار الجسيمة التي لحقت بالممتلكات، وتأثيرها المباشر في دفع السكان إلى الهجرة القسرية، وكيف استغل نظام بشار الأسد هذه الحالة للاستيلاء على الممتلكات العقارية. كما وضح التقرير أثر تلك الاعتداءات وتدمير الممتلكات على فرص وإمكانية عودة اللاجئين والنازحين.يقول مدير الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني: "يمثّل هذا التقرير وثيقة توثيقية وتحليلية شاملة تكشف بوضوح إحدى أكثر الانتهاكات المنهجية خطورة التي مارسها نظام بشار الأسد، والمتمثلة في الاستيلاء المنظَّم على الممتلكات العقارية وتدميرها في محافظة درعا".ويضيف "هذا التقرير يمثل دعوة واضحة للعدالة والمساءلة. كما أنَّه يؤكد بالأدلة أنَّ ما تعرض له السوريون في محافظة درعا من تهجير وتدمير لم يكن نتيجة ظروف عشوائية، وإنَّما هو نتيجة سياسة منظمة وممنهجة تهدف بشكل أساسي إلى تغيير التركيبة السكانية للمنطقة." آليات العملاعتمد التقرير على المنهج الاستقصائي التحليلي من خلال تتبُّع شهادات حية، وخرائط تفاعلية، وصور توثيقية، ومقاطع فيديو؛ بهدف الوصول إلى نتائج دقيقة وموثوقة، لا سيما فيما يتعلق بمواكبة تطورات الوضع ميدانياً. كما قدَّم التقرير مسحاً استقصائياً موجزاً تضمن حوارات وشهادات لمئات الضحايا من مناطق متعددة في محافظة درعا، ممن تعرضت ممتلكاتهم العقارية لانتهاكات ارتكبها نظام بشار الأسد والميليشيات التابعة له. وفيما يخص الخرائط التحليلية الناتجة عن معالجة صور الأقمار الصناعية، فقد اعتمد التقرير على المعايير التقنية التي تستخدمها وحدة الأمم المتحدة لتحليل صور الأقمار الصناعية (UNOSAT) التابعة لمعهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث (UNITAR)، لتقييم مستوى الدمار والأضرار التي لحقت بالمباني والمرافق العمرانية.الفئات المستهدفة بالاستيلاء على الملكيات العقارية:أشار التقرير إلى توسُّع نظام بشار الأسد بشكل ملحوظ خلال السنوات الست الأخيرة (منذ عام 2018 تحديداً) في عمليات الاستيلاء على الممتلكات العقارية للسوريين، مستعيناً بمجموعة من القوانين والمراسيم التي أصدرها بشكل غير قانوني بدءاً من عام 2011، مستغلاً ظروف النزاع الداخلي المسلح، إلى جانب سيطرته الكاملة على السلطة التشريعية والتنفيذية في الدولة. وقد أكد التقرير أنَّ هذه القوانين الجائرة استهدفت الشعب السوري عامة، لكنها ركّزت بصورة رئيسة على ثلاث فئات محددة، وهي:أولاً: المشردون قسرياً (اللاجئون والنازحون)، الذين بلغ عددهم نحو 12.8 مليون سوري حتى النصف الثاني من عام 2024 وفقاً للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين.ثانياً: المختفون قسرياً، والذين بلغ عددهم حتى آب/أغسطس 2024 ما يقارب 113,218 مواطناً سورياً.ثالثاً: القتلى من المدنيين والعسكريين الذين يقدر عددهم بنحو نصف مليون مواطن سوري، والذين لم تُسجَّل غالبيتهم رسمياً في سجلات الأحوال المدنية. كما لفت التقرير إلى أنَّ معظم أفراد هذه الفئات كانوا من معارضي نظام بشار الأسد، والذين تعرضوا لعمليات استهداف وانتهاكات مباشرة منذ بدء الحراك الشعبي في آذار/مارس 2011.حصائل أبرز الانتهاكات في محافظة درعاأكد التقرير وجود علاقة وثيقة بين العديد من الانتهاكات الجسيمة التي استهدفت السكان المدنيين وبين انتهاكات حقوق الملكية، حيث أدّت هذه الممارسات إلى إجبار الأهالي على الرحيل القسري، ما سهَّل استيلاء النظام على ممتلكاتهم من خلال القوانين التي أصدرها. وقد استعرض التقرير حصيلة أبرز هذه الانتهاكات، ومنها مقتل ما لا يقل عن 22 ألفاً و443 مدنياً بينهم 3 آلاف و869 طفلاً وألفين و140 سيدة (أنثى بالغة)، على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في محافظة درعا، في الفترة من آذار/مارس 2011 حتى تموز/يوليو 2024. كما وثّق التقرير وجود ما لا يقل عن 8,706 أشخاص، بينهم 224 طفلاً و194 سيدة، لا يزالون قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري منذ بداية النزاع وحتى تموز/يوليو 2024. إضافةً إلى ذلك، سجل التقرير مقتل ما لا يقل عن 2,500 شخص بسبب التعذيب، بينهم 19 طفلاً و4 سيدات خلال الفترة نفسها، مُشيراً إلى أنَّ الغالبية الساحقة من هذه الانتهاكات ارتُكبت من قِبَل نظام بشار الأسد وحلفائه.حصائل أبرز الأسلحة التي استُخدمت في درعاوثّق التقرير إلقاء ما لا يقل عن 11,153 برميلاً متفجراً من قبل طائرات نظام بشار الأسد على مناطق مختلفة في محافظة درعا، وذلك منذ تموز/يوليو 2012 وحتى آب/أغسطس 2018، ما أدى إلى مقتل 1,177 مدنياً على الأقل، بينهم 272 طفلاً و193 سيدة. كما وثَّق التقرير ما لا يقل عن ثلاث هجمات استُخدمت فيها الأسلحة الكيميائية على مناطق في المحافظة، وذلك بدءاً من أول استخدام موثَّق للأسلحة الكيميائية بتاريخ 23 كانون الثاني/يناير 2012 وحتى تموز/يوليو 2024، وأكد التقرير أنَّ جميع هذه الهجمات الكيميائية نفذتها قوات نظام بشار الأسد.حالات الدراسةقسَّم التقرير حالات الدراسة في الباب الثاني إلى فصولٍ، خصَّص الفصل الأول منها للحديث عن مخيم درعا بشقّيه (مخيم اللاجئين ومخيم النازحين)، إضافةً إلى منطقة طريق السد، فيما تناول الفصل الثاني بلدة خربة غزالة، أما الفصل الثالث فقد خصَّصه لمدينة نوى. وقد تمَّ من خلال هذه الفصول الثلاثة استعراض أبرز الانتهاكات التي شهدتها هذه المناطق، مع تتبُّع دقيق لعمليات الاستيلاء الممنهجة التي استهدفت الملكيات العقارية للمواطنين السوريين، إضافةً إلى رصد حجم الدمار المادي الذي لحق بها. كما قدّم التقرير مقارنة بين حجم الدمار وفقاً لما رصدته صور الأقمار الصناعية، والواقع الفعلي على الأرض، وذلك لإعطاء صورة واضحة ومكتملة للقارئ عن مدى عمليات النهب والاستيلاء التي استهدفت الأراضي والعقارات، وعن الحجم الحقيقي للدمار الذي طال عدداً كبيراً من المدن والقرى والأحياء في مختلف أنحاء محافظة درعا.مسألة عودة اللاجئين والنازحينفي الفصل الرابع من الباب الثاني، تناول التقرير أثر الاعتداءات وتدمير الممتلكات في محافظة درعا على عودة اللاجئين والنازحين، وقدّم استعراضاً تفصيلياً للعقبات الجسيمة التي أعاقت عودتهم إلى مناطقهم. وأكد التقرير أنَّ هذه العقبات لم تقتصر فقط على حجم الدمار الكبير الذي لحق بالممتلكات والبنى التحتية، بل امتدت لتشمل منظومةً متعمدة من التحديات الأمنية والقانونية والإدارية التي فرضها نظام بشار الأسد لإعاقة عودة المهجرين واستغلال غيابهم للاستحواذ على ممتلكاتهم.أبرز استنتاجات التقريراستنتج التقرير من خلال التحليل الخرائطي أنَّ عمليات القصف المدفعي والجوي التي شنّها نظام بشار الأسد وحلفاؤه على عدد من المدن والأحياء والمناطق الريفية في محافظة درعا كانت مفرطة للغاية، وأكد التقرير أنَّ هذا المستوى من الاستهداف لم يكن بدافع عسكري بحت، بل كان يهدف إلى إحداث أكبر قدر من التدمير في الممتلكات العقارية للسكان المدنيين بغية السيطرة عليها. وخلص التقرير إلى أنَّ الغاية الأساسية من هذه السياسة كانت إجبار السكان على النزوح أولاً، وضمان عدم قدرتهم على العودة ثانيةً، ليتمكّن النظام لاحقاً من استغلال هذه الممتلكات في مرحلة إعادة الإعمار، مشدداً على أنَّ هذا الهدف شكّل المحرّك الأساسي لجميع المراحل السابقة، بغض النظر عن حجم الخسائر المادية الفادحة التي لحقت بالشعب السوري أو حالة التفقير المتعمَّد الناتجة عن الاستيلاء على ممتلكاتهم وأراضيهم.أبرز توصيات التقريرالمجتمع الدولي والأمم المتحدة:- تشكيل هيئة دولية متخصصة في توثيق الجرائم المرتبطة بالاستيلاء على الملكيات العقارية، تضمّ خبراء قانونيين ومختصين في التكنولوجيا، بحيث تعمل على جمع وتحليل الأدلة والوثائق والقوانين والمراسيم الصادرة عن نظام بشار الأسد بهذا الشأن.- إصدار قرارات محلية ودولية واضحة ترفض الاعتراف بأي قوانين أو مراسيم أصدرها نظام بشار الأسد خلال فترة النزاع، وبشكل خاص تلك التي استهدفت مصادرة أملاك اللاجئين والنازحين.- دعم برامج ومشاريع تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل صور الأقمار الصناعية، بهدف تقديم تقييم دقيق ومفصل لحجم الدمار والانتهاكات المرتكبة بحق الممتلكات العقارية في سوريا، وإتاحة هذه البيانات للجهات المختصة بتنفيذ العدالة الانتقالية.المنظمات الحقوقية الدولية:- إجراء عمليات توثيق شاملة لجميع الانتهاكات المتعلقة بالممتلكات العقارية في سوريا، مع التركيز بشكل خاص على الانتهاكات المرتكبة في فترة النزاع، وتحديداً تلك التي استهدفت الأعيان المدنية والمراكز الحيوية.- إعداد ملفات قانونية شاملة حول انتهاكات الملكية التي نفذها نظام بشار الأسد، بحيث يمكن استخدامها كأدلة أمام المحاكم الدولية أو ضمن أي إطار قانوني أو آلية عدالة انتقالية مستقبلية.المفوضية السامية لشؤون اللاجئين:- تأسيس منصة تكنولوجية متقدمة تسمح للاجئين والنازحين بتسجيل شكاواهم المتعلقة بالملكية العقارية، بهدف توثيقها رسمياً ومتابعتها مع الجهات الدولية المختصة.- التعاون مع المؤسسات الدولية من أجل تصميم برامج خاصة لتعويض وتأهيل الممتلكات العقارية في المناطق المتضررة، مع ضمان إيلاء اهتمام خاص للنساء والفئات الأكثر ضعفاً وتضرراً.- التأكيد المستمر، وفي جميع المحافل الدولية، على أنَّ عودة اللاجئين والنازحين يجب أن تكون طوعية، آمنة، وكريمة، مع ضمان استعادتهم لحقوقهم وممتلكاتهم.التقرير الكامل