ابتسام شديد -

كلام الأمين العام لحزب الله السيد نعيم قاسم في خطابه الأخير حمل وفق المراقبين الكثير من الإشارات الجديرة بالتوقف عندها والتي ترسم معالم مرحلة ما بعد الحرب وتظهر كيفية تعاطي الحزب مع الأحداث والتطورات في السياسة والميدان، فما جاء في الخطاب بعد مفاوضات إطلاق النار مع المبعوث الأميركي اموس هوكشتاين يؤكد تمسك الحزب بثوابت المقاومة ومبادىء لا تمس وضعية الحزب ومستقبله بعد نهاية الحرب مهما بلغت الضغوط السياسية والعسكرية من جهة واشتد الضغط في الميدان.

ابرز ما في الخطاب الرسالة التي وجهها للقوى السياسية كافة وتشير للاستمرار والبقاء في الحياة السياسية والإلتزام بالدستور و روحية إتفاق الطائف بعد وقف النار في الجنوب علما ان الحزب لم يكن من القوى السياسية التي اعترفت بالطائف وهذا ما يشكل نقلة نوعية ومقاربة مختلفة تحاكي الوضع اللبناني والشراكة الوطنية خصوصا ان الحزب مرتاح لحجم التضامن الوطني في ملف المهجرين والاحتضان الداخلي رغم الإختلاف السياسي حيث من اللافت ان القوى التي اختلفت مع الحزب سابقا لم تنزلق الى التعبئة والمهاترات وتثمن تضحيات المقاومة في جبهة الجنوب .

قدم الأمين العام مقاربة سريعة لمرحلة ما بعد انسحاب إسرائيل والبدء بتطبيق القرار ١٧٠١ بما يشبه خريطة الطريق اوالعبور المطمئن من الميدان الى الداخل من بوابة الطائف مما يعتبره كثيرون إشارة او تلميح الى تغليب المصلحة الداخلية وقليص انخراط الحزب في مواجهات الإقليم والانصراف الى ترتيب البيت الداخلي للانطلاق مجددا الى العمل السياسي استنادا لمسودة الإتفاق الأولي التي لا مكان فيها للربط بين ما يجري في غزة والجنوب.

بتقدير العديد من المسؤولين ان دور الحزب وتأثيره في الداخل لم يتأثر بنتيجة الحرب المدمرة فالحزب وان قدم مرونة في التعاطي مع مسائل مثل الانتخابات الرئاسية لكن ذلك لا يعني انه فقد عناصر حضوره ونقاط قوته في السياسة فالمعارضة منقسمة على ذاتها ولم تستطع احداث اي تغيير قبل الحرب وخلالها في العديد من الملفات.

قرار الحزب إعادة الإعتبار لاتفاق الطائف يعني انه يستعد للانخراط في الحراك السياسي والبحث مع الشركاء عن حلول ومخارج لإنقاذ لبنان من خلال وقف الحرب و تسهيل تطبيق القرار ١٧٠١ وإنتخاب رئيس جمهورية والتعاطي بمرونة.

ليس صحيحا كما تقول مصادر سياسية ان الحزب في صدد العودة الى حضن الوطن لأنه اصلا لم يخرج منه وليس صحيحا أيضا ان الحزب خرج من المعادلة الداخلية لأنه له حضوره وشعبيته الواسعة ولا يزال من الناحية العسكرية صامدا ويقوم بعمليات نوعية ويمكنه محاربة إسرائيل حتى اليوم الاخير برشقات صاروخية لم تستطع إسرائيل ردعها فالعدو ايضا تحت النار ومقارنة الانتصار والخسارة لا تستند الى الخسائر فقط بل الى النتائح المحققة ومدى ملاءمتها للأهداف المعلنة والحديث عن تراجع الحزب ليس في مكانه لانه لا يزال يحتفظ بقدراته الصاروخية وهو من اليوم الأول اعطى إشارات بأنه جاهز للاتفاق بشروطه وليس بالشروط الإسرائيلية ويرفض منح العدو الإسرائيلي حرية الحركة في الأجواء اللبنانية مهما كانت الذريعة.