يحق للبنانيين، من الجنوب إلى البقاع فالجبل وبيروت، أن يفرحوا. شهران من الكابوس الثقيل، من القتل العبثي والتدمير العشوائي وإرهاب اللبنانيين، انتهيا عبر وقف النار، وانتهت معها مرحلة عصيبة على شعب صامد صابر أمام آلة الموت. يحق للبنانيين أن يفرحوا بخروج الإحتلال الإسرائيلي ولو تدريجياً من أرضهم التي لم يستطع الدخول إلا إلى أطرافها، وبالغارات الوحشية والمدرعات لجيش من أكثر الجيوش تجهيزاً وتسليحاً في العالم.

هذا الفرح تُرجم بعودة سريعة للأهالي النازحين. فمنذ الصباح ازدحمت الطرق المؤدية إلى الجنوب والبقاع بطوابير السيارات، حيث أظهر الأهالي عاطفتهم تجاه حزب الله وحركة أمل، مستذكرين الشهداء وفي طليعتهم السيد حسن نصرالله.

وبالتوازي بدأ الجيش اللبناني استعداداته الميدانية لتعزيز انتشاره في الجنوب، في الوقت الذي لا تزال فيه قوات الإحتلال تحذر وتتوعد المواطنين من الإقتراب صوب مراكزها. وهذا ما يُفصح عن استمرار التوتر في القرى والبلدات الجنوبية، في انتظار انقضاء مهلة الشهرين لتحقيق انسحابٍ كامل.

 

هذا اليوم الطويل للعودة، كان بدأ سياسياً بتصريح لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، أكد فيها ضرورة المضي قدماً صوب خارطة طريق للإنقاذ بانتخاب رئيس وتشكيل حكومة تواجه التحديات، لافتاً إلى ضرورة الإبتعاد عن صراع المحاور الإقليمية. واستكمل النهار السياسي بكلمة لافتة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، التي إلى جانب البعد الوجداني فيها تجاه الأرض ولبنان والشهداء والمجتمعات المضيفة، فإنها شددت على أهمية انتخاب رئيس "لا يشكل تحدياً لأحد"، وبالتالي البدء بمعالجة التحديات.

أما رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، فقد لفت فيها إلى التزام تطبيق القرار 1701 وتعزيز انتشار الجيش، مستذكراً الجهود الحكومية والإدارية في التعاطي مع الحرب وتداعياتها.

 

وقد كان لافتاً في هذا اليوم الطويل ظهور رئيس وحدة الإرتباط في حزب الله وفيق صفا في شكل علني لأول مرة بعد استهدافه. وعلى خط المواقف السياسية لكوادر حزب الله، اعتبر نائب رئيس المجلس السياسي محمود قماطي، خلال مؤتمر صحفي من الضاحية الجنوبية لبيروت أننا "حققنا الإنتصار اليوم بعد شهرين من الجهاد المتواصل والصمود والإرادة والعدو لم يحقق أي هدف من أهدافه". وشدد على أن "صمود المقاومة في الجنوب أفشل العدو وأفشل العدوان على الشرق الأوسط أيضاً".

 

هذا الفرح اللبناني، لا يمكن أن يُستكمل إلا بخاطرة طريق واضحة لإعادة بناء الدولة، واستنهاض لبنان المثقل بركام الدمار، وركام الأزمات المالية والسياسية والإقتصادية. هذا الفرح لا يمكن أن يكون تاماً إلا باستخلاص العبَر، وما أكثرها، لجهة أن يكون لبنان وحده، والدولة وحدها، حاميي جميع اللبنانيين بطوائفهم وانتماءاتهم المختلفة. وهنا التحدي الأكبر في المرحلة القادمة.