وفق المفهوم الإسرائيلي، يبدو ان اتفاقَ وقف إطلاق النار مع حزب الله يعني أن يوقف حزبُ الله وحدُه النار، وأن تواصل إسرائيل كلَّ الخروقات البرية والبحرية والجوية، وأن تتمادى في الإغارة على البلدات والقرى والأحياء، في جنوب الليطاني كما في شماله، وعلى الحدود الشرقية كما في داخل الأراضي السورية، وأن تَستهدفَ العشرات بين شهيد وجريح، وأن تستمر بالتدمير.


أما بحسب المفهوم اللبناني، فالاتفاق يفترض أن يعني إتمامُ الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي التي احتُلَّت أخيراً، في مقابل نشر الجيش اللبناني في المنطقة المتفق عليها جنوبَ الليطاني، بالتنسيق مع اليونيفيل، وإطلاقَ المفاوضات الحدودية للتوصل إلى حلٍّ دائم.


وبين المفهومَين المتناقضَين، وقف النار يترنّح ولا يسقط، علماً أن بنيامين نتنياهو الذي ترأس في الساعات الأخيرة اجتماعاً في نهاريا، ضمن المنطقة الشمالية، جزم التزامَ اسرائيل بوقف النار، لكنه أعلن بوضوجح أن الحرب لم تنتهِ بعد. غير أن ما لم يقله نتنياهو، نطق به وزيرُ دفاعه، الذي لوّح بعدم التمييز بين حزب الله والدولة اللبنانية إذا سقط وقفُ النار.


غير أن النيرانَ المتقطّعةَ على الجبهة اللبنانية-الإسرائيلية، تقابلها نارٌ متَّقدة في سوريا، وسط التضارب المستمر في المعطيات بين الحكومة والمسلّحين. ففيما يؤكد الإعلام الرسمي السوري أن الجيشَ استعاد المبادرة ويعزّز خطوطَه الدفاعية تمهيداً للانقضاض على الإرهابيين، تجزم المنصاتُ التابعة للمجموعات المسلحة بأن البلدات والقرى تتهاوى أمام جحافلها، من دون أن تلقى مقاومةً تُذكر. وفيما لفت اليوم إبداءُ إيران على لسان وزير خارجيتها، استعدادَها لإرسال قواتٍ الى سوريا إذا طلبت دمشق، تتكثف المساعي الإقليميةُ والدولية لاحتواء الأزمة، بمشاركة طهران وأنقرة وموسكو، إلى جانب الدوحة.


ووسط هذا المشهد المتفجّر، يحاول لبنان أن يمرّرَ استحقاقَه الرئاسيَّ المؤجل منذ أيلول 2022، من دون أن ينجح حتى اللحظة في تجاوز الانقساماتِ التي حالت منذ عامين ونيِّف دون الانتخاب، ومن دون أن يعني ذلك استحالةَ النجاح.


ففيما زار رئيسُ التيار الوطني الحر دارَ الفتوى، طارحاً ترجمةَ التضامن الوطني في الحرب تفاهماً رئاسياً في 9 كانون الثاني المقبل، كرّر المجتمعون في معراب اليوم مواقفَهم السابقة، وتمسّكوا برفع السقوف، عشية لقاء يجمع غداً سمير جعجع بوليد جنبلاط، في انتظار ما يحمله الشهرُ الحاسم على المستوى الرئاسي، إذا لم يطرأ ما قد يدفع إلى تأجيلٍ جديدٍ لجلسة انتخاب الرئيس