إعتداء عسكري محدود أم قرار باستئناف للحرب؟! مئات الغارات شاركت بها عشرات الطائرات الحربية الإسرائيلية أمطرت مناطق قطاع غزة الجريح بقصف همجي أودى بحياة المئات من الشهداء والجرحى من الفلسطينيين، وهم لما ينتهوا بعد من لملمة أشلاء أبنائهم وترتيب ركام منازلهم بعد نحو 15 شهراً من العدوان الوحشي الإسرائيلي.. استعاد بنيامين نتنياهو نغمة “القضاء على حركة حماس” و”تغيير الشرق الأوسط” وأعلن أخيراً “سندير المفاوضات بالنار”، ودشّن طائرات الـ”أف 35” الأمريكية التي استلمها مؤخراً في استباحة كاملة لقطاع غزة وصولاً إلى الأراضي السورية من شمالها إلى جنوبها فيما لم يستقر النظام السوري الجديد على منظومة حكم في ظل تنازع إقليمي ودولي تلعب فيه “إسرائيل” دور الثعلب المنتظر فريسته المهشّمة.


المشهد المتوتّر سياسياً وعسكرياً يملأ جغرافيا الوطن العربي ويهدّد تاريخها الحاضر والمستقبل، فمن جهة تمعن حكومة العدو في سياسة القضم المباشر للأرض العربية دون حسيب أو رقيب ودون رادع أو وازع، وتحضّر المقدّمات اللازمة لينفّذ دونالد ترامب مشروعه “الطموح” بتهجير الفلسطينيين إلى أراضي الصومال والسودان وتحويل قطاع غزة إلى “ريفييرا الشرق”، وتتغوّل في احتلال الأراضي السورية من الجنوب والمرتفعات الغربية لتطوّق سوريا، وعينها على الشمال لتتمركز عند الكتف العراقي، أما في الشرق فتشرف على لبنان لتثقل كاهله الأمني والاستراتيجي فيما تواصل احتلالها لأراض حدودية وتمعن في خرقها للقرار 1701 والاعتداء على السيادة اللبنانية بالقصف والاغتيالات، أما من جهة ثانية فإن طبول الحرب بدأت تدقّ على وقع التهديدات الأمريكية بضرب إيران مع ما ينذر ذلك من إدخال المنطقة في بركان مشتعل غير محمود النتائج والعواقب.


كان نتنياهو صريحاً على دأب حليفه ترامب في الجهر بأهدافه التالية نحو توسيع دائرة الهيمنة الإسرائيلية باتجاه تشكيل “شرق أوسط جديد”، ويحدوه في ذلك اطمئنانه إلى توزيع الأدوار والمهام بين تل أبيب وواشنطن، ففيما تنشغل “إسرائيل” بحسم الدائرة القريبة التي تشمل فلسطين وسوريا ولبنان تتولّى الولايات المتحدة بحسم الدائرة المتوسطة التي تشمل اليمن وإيران وبينهما العراق، فيما الدائرة الأبعد تسير على قدم وساق مع الغريم الروسي لإنهاء الحرب في أوكرانيا وصولاً إلى التفرّغ للصين العدو الأول والأكبر لأمريكا.. واللافت بحسب مراقبين أن ترامب وبعكس كل من سبقه من الرؤساء الأمريكيين لا يعتمد سياسة المواقف المزدوجة، حيث يعلن مواقفه وخطواته التي يعتزم تنفيذها دون مواربة سواء للأصدقاء والحلفاء أو للخصوم، ما يجعل تلمّس فصول المرحلة المقبلة شديد الشفافية والوضوح.


وفي هذا السياق، يرى المراقبون أن الفترة القريبة المقبلة ستكون مفتوحة على احتمالات كثيرة وتطوّرات كبيرة، خصوصاً أن ما يجمع ترامب ونتنياهو استعجالهما لحسم الملفات العالقة، فالأول يتابع تنفيذ أجندته التي بدأها في ولايته الأولى دون إنجازها ليحكم سيطرته على العالم بدءاً من أوروبا مروراً بمنطقة الشرق الأوسط وصولاً إلى الصين وروسيا، فيما ينصبّ اهتمام الثاني على تثبيت مفاصل مشروعه التوسعي وترسيم حدود “دولة إسرائيل الكبرى” بالخط العريض من الفرات إلى النيل تمهيداً لتنصيب نفسه ملكاً على اليهود والعرب على حد سواء، ويلزم لتحقيق أهداف الرجلين أن يقفا على أرض صلبة، لذا – يضيف المراقبون – يبادر ترامب إلى تحطيم قوى النفوذ داخل منظومة الحكم في أمريكا أو ما بات يعرف بـ “الدولة العميقة”، فيما يجهد نتنياهو إلى ترتيب البيت الداخلي وتمتين ركائز حكومته لمواجهة استحقاقي الموازنة والانتخابات العام المقبل.


في المقلب الآخر يقف العالم العربي والإسلامي عاجزاً عن مواجهة المدّ الأمريكي – الإسرائيلي الجامح إلا من مواقف رفض ومبادرات غير فاعلة حتى الآن سعياً لتجاوز آثار العواصف المقبلة أو في الحد الأدنى التخفيف من الأضرار، ويرى المراقبون أن سياسة الانحناء مع العاصفة ومجاراة التيار لن تؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر والضعف، فلا ترامب ولا نتنياهو سيقفان عند حدّ تنفيذ الخطوات المعلنة فإن نجاحهما في إنجاز أي خطوة سيمنحهما فرصة تحفيزية للبدء في خطوة إضافية جديدة لإرضاء جشعهما في التوسّع والهيمنة، وعليه فالمطلوب من الأنظمة والشعوب العربية على حد سواء أن يبادروا إلى وقفة حاسمة للحدّ من المدّ الأمريكي – الإسرائيلي، ولنا عبرة واضحة في ما يجري في فلسطين وسوريا ولبنان وأيضاً في ما كشفه الكثير من التسريبات السياسية والتلمودية لمسؤولي العدو عن الأطماع الإسرائيلية في أرض العرب، والتي لن تقف عند حدود “من الفرات إلى النيل”، فهل تتحرّك أمة العرب؟!




Related Posts

  1. مسجد الأمير منذر في بيروت.. متحف إسلامي عثماني
  2. مصر تمنح جنسيتها لدفعة جديدة من السوريين
  3. مظاهرات حاشدة في تركيا.. ماذا يجري؟




The post ترامب ونتنياهو يباشران المدّ التوسّعي.. هل تتحرّك أمة العرب؟.. وسام مصطفى appeared first on .