تتخبط حكومة الرئيس نواف سلام بين تلبية مطالب الخارج وبين الواقع اللبناني القائم على التوازنات السياسية والكثير من الحساسيات الطائفية والمذهبية، لا سيما فيما يتعلق بمواجهة العدوان الاسرائيلي المستمر وبأشكال مختلفة، وبالتعيينات التي إستدعت جلستين لمجلس الوزراء لوضع آلياتها من دون أن تترجم فعليا لا سيما في ما يتعلق بحاكمية مصرف لبنان التي ما تزال موضع خلاف داخلي ببعد خارجي. 


لا شيء يوحي حتى الآن بإمكانية نجاح الدبلوماسية التي تعتمدها الحكومة تجاه الضغط على إسرائيل للإنسحاب من الأراضي اللبنانية، ولا بتوجهات أميركية أو دولية لوقف الاعتداءات والغطرسة الصهيونية التي تتمادى يوما بعد يوم، فيما بعض أصحاب الرؤوس الحامية يضغطون بإتجاه تسليم سلاح المقاومة ويتبنون السردية الاسرائيلية وصولا إلى تشكيلهم الصدى لمواقف العدو وهي تطبيق القرار ١٧٠١ من الجانب اللبناني فقط إرضاء لولي الأمر الأميركي، وذلك في مخالفة صريحة لخطاب القسم وللبيان الوزراي ولبيان الرؤساء الثلاثة الصادر من قصر بعبدا قبل إنعقاد جلسة الثقة.


واذا كان الرئيس نواف سلام يريد إستعجال إثبات الحضور لإعطاء الشرعية لحكومته وطنيا وخارجيا، فإن تسرعه إلى حدود الإرتجال قد يفقدها الصفة الجامعة ويحولها إلى حكومة فئوية تعرقل إنطلاقة العهد، خصوصا أنها تغض النظر عن كل الاعتداءات الاسرائيلية ولا تمارس حتى أضعف الإيمان في إصدار بيانات الاستنكار أو تقديم الشكاوى إلى مجلس الأمن أو إستدعاء لجنة الإشراف على وقع إطلاق النار لوضعها أمام مسؤولياتها.


ويبدو أن ثمة هوّة سحيقة بين ما يقوله الرئيس سلام وبين الواقع على الأرض، حيث يؤكد أن الدولة ماضية في بسط سلطتها على كامل أرضها فيما إسرائيل توسع من عدوانها ومن إحتلالها، ثم يؤكد أن الدولة إستعادت قرار السلم والحرب، وهي تقف مكتوفة الأيدي أمام إنتهاكات إسرائيل التي تضرب هيبة الدولة ولا تقيم وزنا لقرار وقف إطلاق النار ولكل مواثيق الشرعية الدولية.


أما تأكيد سلام على أن ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة باتت من الماضي في ذروة محاولات إسرائيل خلق الذرائع لإستئناف الحرب على لبنان، فقد إستفزت المقاومة الملتزمة بوقف إطلاق النار وبالوقوف خلف الدولة في مساعيها الدبلوماسية، وإستدعت ردودا عليه قد تنعكس تباينات في مجلس الوزراء، وإختلافا في وجهات النظر مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الذي أكد أكثر من مرة أن الأولوية هي للانسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان ومن ثم يصار إلى البحث داخليا في قضية السلاح، إلا أن الرئيس سلام يبدو مستعجلا لتنفيذ الرغبات الأميركية التي يهمها فقط حماية أمن إسرائيل ولا تكترث لتداعيات ما تطلبه على الداخل اللبناني وأمنه وإستقراره.


وما يزيد الطين بلة، هو وزير الخارجية يوسف رجي الذي يبرر لإسرائيل إعتداءاتها، ويتهم المقاومة بالتنصل من إلتزاماتها من دون أن يحرك ساكنا تجاه ما ترتكبه إسرائيل من جرائم يومية بحق اللبنانيين وممتلكاتهم وأراضيهم، حيث يقدم رجي في كل مناسبة معادلات بعيدة كل البعد عن الواقع وصولا إلى إعتباره أن وجود الاحتلال سببه المقاومة، في حين أن كل المواثيق والشرائع والأعراف الدولية تؤكد على حق المقاومة في ظل الإحتلال.


ولا يبدو موقف رجي المنتمي إلى القوات اللبنانية مستغربا في ظل الحقد الذي تظهره القوات على المقاومة وهو تجسد مؤخرا بموقف النائب غسان حاصباني الذي يروج لضرورة مواجهة الجيش مع المقاومة لسحب سلاحها بالقوة بالرغم من مخاطر ذلك على الأمن الوطني ووحدة لبنان، فضلا عن تهديده بتلزيم سحب سلاح المقاومة إلى العدو الاسرائيلي جنوبا، والى الجيش السوري شرقا، ما يعني تعريض لبنان لعدوان ثنائي الأبعاد لا أحد يمكن أن يتكهن بتداعياته الكارثية على البلاد والعباد.


فضلا عن إستغراب سمير جعجع أمس إطلاق صواريخ بإتجاه إسرائيل، وكأن ما تقوم به منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ من إنتهاكات وإعتداءات أمرا طبيعيا بالنسبة له.


كل ذلك يطرح سلسلة من الأسئلة المشروعة لجهة، هل تسعى القوات اللبنانية باستفزازاتها إلى ضرب عهد الرئيس جوزاف عون خصوصا أنها كانت ترفض إنتخابه وقد رضخت مرغمة للرغبة الدولية؟ أم أنها تريد الذهاب بالبلاد إلى حرب أهلية؟ أم أن حقدها على المقاومة يدفعها إلى الاستقواء بالعدو الاسرائيلي على مكون لبناني أساسي؟ أم أنها تجد أن الفرصة مؤاتية لتحقيق الفيدرالية وتقسيم لبنان وهو الحلم الذي يراودها منذ العام ١٩٨٢، وصولا إلى التطبيع مع العدو.


حتى الآن لم يخرق حزب الله اتفاق وقف إطلاق النار، وهو نفى نفيا قاطعا مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ المجهولة المصدر، مع تأكيده الالتزام بتوجهات الدولة وبمساعيها الدبلوماسية وإنسحابه من جنوب الليطاني لمصلحة إنتشار الجيش، فلماذا كل هذه الأصوات النشاز؟، والى ماذا يرمي كل ذلك؟!..




Related Posts

  1. جنبلاط يجمع الأضداد ويرسم خارطة طريق وطنية ودرزية.. حذار من التقسيم!.. غسان ريفي
  2. نتنياهو يُجرّب المجرّب في غزة!.. غسان ريفي




The post تخبط سلام وإستفزازات القوات.. يهددان العهد!.. غسان ريفي appeared first on .