لم يعثر النظام السوري حتى الآن على "الزمان والمكان" المناسبين للرد على الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية التي يسيطر عليها، والتي تصاعدت وتيرتها في الفترة الأخيرة بالتزامن مع التصعيد الإسرائيلي في الحرب على لبنان وغزة. وعلى الرغم من ترداد الأسد الدائم بأن مناصرة الفللسطينيين وقضيتهم هي أحد مبررات وجوده الرئيسية على رأس السلطة في سوريا، إلا أنه لا يزال على موقفه بالابتعاد عن الانخراط في هذه الحرب، التي تضع مصير فلسطين وقضيتها على المحك. ولا يساور أحد الشك ببقاء نظام الأسد بعيداً عن الحرب، طالما أن إسرائيل لم تجبره على ذلك، لأنها لم ترَ حتى الآن ضرورة لفتح جبهة حرب أخرى بصورة رسمية، ترفع مستوى ضغوط المجتمع الدولي عليها، الذي يطالبها بوقف الحرب على الجبهتين الحاليتين. وإسرائيل التي مزق مندوبها ميثاق الأمم المتحدة في اجتماع الجمعية العامة للمنظمة الدولية، لا تقيم وزناً كبيراً للضغوط الدولية، إذا رأت ضرورة لفتح الجبهة السورية رسمياً. ومن المستبعد حتى الآن أن تواجه مثل هذه الضرورة، طالما أن سلاحها الجوي لا يواجه أي عائق في السماء السورية، ويقصف بحرية شبه مطلقة المواقع الإيرانية، ويلاحق شحنات الأسلحة المتجهة إلى حزب الله في لبنان.
لكن إسرائيل لا تعتبرها كافية مهمة طيرانها الحربي في استهداف أعضاء الحرس الثوري وحزب الله في سوريا، وقصفه شحنات الأسلحة الإيرانية ومعابر مرورها إلى حزب الله في لبنان. وهو ما تشير إليه مطالبتها بإشراك روسيا في اتفاق الهدنة في لبنان، على أمل أن تساعد موسكو في إحكام إغلاق منافذ السلاح الإيراني عبر سوريا، سيما وأنها واثقة من طموح روسيا للعب دور الوساطة في صراعات الشرق الأوسط.لا يمكن لإسرائيل أن تركن إلى الإجراءات التي يقال أن النظام السوري يتخذها بتشديد المراقبة على أعضاء حزب الله في سوريا وتعقيد دخولهم إليها ومصادرة مخازن أسلحة إيرانية. ويبدو أنها لا تعتبر هذه الإجراءات إشارة إلى بدء مسار ابتعاد النظام السوري عن إيران. إذ أنها تعرف، كما الجميع، حجم القيود التي تكبل بها طهران هذا النظام، وتوفر لها حجم تأثير كبير على قراره. لكن إيران، بالطبع، لا تحتكر النفوذ على النظام السوري، بل تتقاسمه مع روسيا وليس بالضرورة مناصفة. غير أن روسيا، وإضافة إلى حاجتها للسلاح الإيراني في حربها على أوكرانيا ومشاركتها الطموح لبناء نظام عالمي جديد يستبعد هيمنة الغرب، قادرة على التفاهم مع إيران وتسوية المشكلات معها، كما أثبتت الحرب على الشعب السوي التي شاركت فيها الدولتان على مدى سنوات، دعماً للنظام السوري.
لكن المرشد الإيراني قد يرى في لحظة ما أن الصراع مع الولايات المتحدة والغرب عبر إسرائيل يتطلب إصدار فتوى بمشاركة الجبهة السورية في الحرب المشتعلة الآن في غزة ولبنان. وحينها لن يتوانى الإيراني عن إصدار مثل هذه الفتوى، ولن يكون بوسع النظام السوري على الأرجح رفض الإنصياع لها. فهو المكون الأهم في "محور المقاومة" الذي استثمرت فيه إيران أكثر مما استثمرت في أي مكون آخر، كما تشير الأرقام المتداولة عن حجم "الديون" الإيرانية على دمشق. كما أن النظام السوري ليس ميليشيا إيرانية كما المكونات الأخرى، بل يمثل الدولة السورية التي تمتلك مقعداً في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، بغض النظر عن حجم تمثيله الفعلي للشعب السوري وللشرعية السورية. وطبيعة النظام السوري الديكتاتورية التي تقمع الأصوات المعارضة له وللهيمنة الإيرانية على سوريا، وتحشر معظمها في خانة الإرهاب، جعلت الهيمنة الإيرانية على النظام السوري أشد مما هي على النظام اللبناني، الذي لا تسمح "ديموقراطيته" الطائفية الشكلية بالقمع الكلي للأصوات المعارضة للهيمنة الإيرانية، وحشرها في خانة الإرهاب.ليست مستغربة قلة النصوص التي كان يفردها الإعلام الإسرائيلي للتحدث عن النظام السوري طيلة السنة الماضية. إذ كان يتناوله كواحد من مكونات "جبهة المقاومة" بقيادة إيران. وكان من اللافت أن يخصص موقعان إسرائيليان ناطقان بالروسية، وعلى مدى يومين متتالين، نصين يتناولان النظام السوري وعلاقته بإيران.
موقع Zahav الناطق بالروسية، ينقل إلى الروسية نصوص المواقع الإعلامية الإسرائيلية والأجنبية، إضافة إلى صفحة الرأي المتاحة للمدونين والكتاب السياسيين الإسرائيليين. فقد نشر في 22 الجاري نصاً للمدون الإسرائيلي من أصول روسية فاسيلي غافاروخين عنونه بالقول "المعركة على سوريا"، أرفقه بعنوان ثانوي "يواجه الأسد خياراً صعباً: إما الدخول في صراع مع إسرائيل أو التخلي عن أولئك الذين يدين لهم بحياته".يستهل المدون نصه بمخاطبة القراء بالقول "بالحديث عن سوريا خلال العام الماضي، أما لاحظتم أي شيء غريب؟ بتعبير أدق، غياب ما كان ينبغي توقعه؟". ففي حين أطلق كل من حماس وحزب الله أكثر من 10 آلاف صاروخ على إسرائيل، ويهددها الحوثيون بالصواريخ الباليستية بصورة دائمة، وينظم الإيرانيون عرض الألعاب النارية الأكثر روعة في الشرق الأوسط كل ستة أشهر، ظهرت سوريا بصورة المراقب الذي لا يشارك في ما يدور. ويعبر المدون عن دهشته وهو يشير إلى مدى اعتماد الأسد على إيران وحزب الله، ويتساءل إلى أين يأخذ سوريا، وهي البلد المعروف بعدائه التاريخي لإسرائيل.
تحدث المدون عن سبب نفوذ "محور المقاومة" في سوريا، ودور روسيا وإيران في إنقاذ الأسد من "مصير القذافي". ويشير إلى دور مقاتلي حزب الله والطيران الروسي في احتفاظ الأسد بنسبة 60% من الأراضي السورية تحت سلطته، والتي حولتها إيران لاحقاً إلى "مستعمرتها الفعلية"، تمد عبرها حزب الله بما يحتاجه، وتزدهر فيها الميليشيات المختلفة التابعة لإيران. أما الأسد نفسه فقد أصبح دمية بيد إيران، يعتمد عليها بشدة.يسهب المدون في الحديث عن تطور تبعية الأسد لإيران، خصوصاً أثناء الحرب الأهلية السورية. ويختتم مدونته بالقول أنه في الوضع الراهن، وعلى خلفية الضعف الذي أصاب إيران وتدمير حزب الله وتعزيز إسرائيل دورها في سياسة المنطقة وعودة ترامب إلى البيت الأبيض، ظهرت أمام الأسد إمكانية حقيقية لطرد "شركائه الضعفاء" خارج سوريا واستعادة سلطته في سوريا. ويقول إن الأشهر المقبلة ستظهر ما إن كان الأسد سيغتنم هذه الفرصة، أم أنه سيهملها خشية من الإنتقام الإيراني.
موقع القناة التاسعة الإسرائيلية الناطقة بالروسية نقل في 21 الجاري عن مقالة للصحافي الإسرائيلي Seth J. Franzman قوله إن إيران تعمل على دعم النظام السوري لضمان بقائه عنصراً أساسياً في "محور المقاومة" الإيراني. ويكتسب هذا الهدف أهمية إضافية في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل حزب الله في لبنان، وتسعى إلى منع وصوله إلى الأسلحة الآتية من إيران، فضلاً عن الموارد المالية التي تدعم أنشطته. ومقارنة مع المكونات الأخرى لـ"محور المقاومة"، تشغل سوريا وضعاً مميزاً يختلف عن الوضع الذي يشغله كل من العراق واليمن ولبنان. ففي هذه البلدان تعتمد إيران في العلاقة معها على الأذرع التابعة لها، في حين أن النظام السوري مرتبط مباشرة بطهران. وتلعب سوريا في هذا المحور دور حلقة الوصل التي تؤمن وصول الأسلحة لحزب الله ، كما تستخدمها إيران لتجارة المخدرات.
وينتهي الصحافي إلى الإشارة إلى أن روسيا أيضاً تحتفظ بوجود مهم في سوريا، مما يخلق تعاوناً نشطاً بين النفوذ الإيراني والنفوذ الروسي في دمشق.