لم تكن تلك المرة الأولى التي تصل فيها صواريخ "حزب الله" إلى تل أبيب، مساء الأحد، إلا أن ما شوهد، مثّل خرقاً تحدثت عنه وسائل الإعلام الاسرائيلية، على ضوء استخدام رؤوس تدميرية أكبر من سابقاتها، ولم تُعترض، رغم امتلاك الجيش الإسرائيلي تكنولوجيا دفاعية وصاروخية متقدمة، حسبما أفاد الإعلام الاسرائيلي.
ففي ظل صراع تتصدر فيه التكنولوجيا الحربية المشهد، تبرز فجوة شاسعة بين القدرات العسكرية التقنية لكل من "حزب الله" وإسرائيل. وبينما يتعاظم دور التكنولوجيا كعامل حاسم في الحروب المعاصرة، تتزايد التساؤلات على الشاشات وفي منصات التواصل الإجتماعي: كيف يواجه حزب الله هذه الفجوة على الرغم من التفوق الإسرائيلي الواضح؟ وهل يمكن لاستراتيجية الحزب أن تكون وسيلة لتخطي هذا التفوق التكنولوجي؟
ويحاول الحزب الإجابة على تلك الأسئلة، باتباع استراتيجية "الدفق الصاروخي" لتخطي الحواجز التكنولوجية. أعلنت قيادته مراراً عن هذا الجانب، وأعادت منصاته الإعلامية الإضاءة على ترسانة صاروخية وأخرى من المسيرات، لاثبات القدرة على اختراق حواجز التكنولوجيا، فيما لم يكف، إعلامياً، عن تأكيد رهاناته على المعركة البرية والصليسات الصاروخية، في معركة تشرف على الإنتهاء.
التفوق الإسرائيلي تكنولوجياً
تمثل إسرائيل نموذجاً متقدماً في استثمار التكنولوجيا العسكرية. تعتمد قواتها على أنظمة دفاع متطورة مثل "القبّة الحديدية"، و"مقلاع داوود"، و"حيتس"، إلى جانب وحدات استخباراتية متفوقة كالوحدات 8200 و9900 و504 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان".
تشكل هذه الأنظمة درعاً واقيا ًضد الهجمات الصاروخية، كما تتيح للجيش الإسرائيلي تنفيذ عمليات دقيقة، مثل اغتيال القادة الميدانيين وتعقب الأنشطة عبر الحدود.
ومما لا شك فيه، أن إسرائيل أظهرت خلال السنوات الماضية قوة غير مسبوقة على الصعيد الاستخباراتي، لا سيما عبر سلسلة الاغتيالات التي استهدفت قادة ميدانيين. علاوة على ذلك، شهدت الطائرات بلا طيار "الدرونز" تطوراً ملحوظاً، لتصبح عنصراً أساسياً في العمليات الحربية.
وتوظف إسرائيل الذكاء الاصطناعي في رصد الأهداف البشرية وتحليل البيانات بشكل دقيق، كما تجلى في حربها على غزة. هذه القدرات لا تقتصر على العمليات الهجومية، بل تشمل أيضاً الدفاع المتقدم الذي يحاكي تطورات الأحداث بدقة عالية.
حزب الله يحاول تجاوز الفجوة
في المقابل، يعتمد "حزب الله" استراتيجيا مزدوجة تجمع بين التكتيك العسكري والإمكانات العسكرية المدعومة بتكنولوجيا محدودة. وعلى الرغم من افتقار الحزب إلى أنظمة دفاعية متطورة، كتلك التي تمتلكها إسرائيل، فإنه يمتلك ترسانة هائلة من الصواريخ والقذائف، تُقدر بعشرات الآلاف، حسبما أعلن، من بينها صواريخ موجهة مثل "فادي" و"فاتح 110". بالإضافة إلى ذلك، يمتلك الحزب طائرات مسيّرة تُستخدم في الاستطلاع وتنفيذ الهجمات.
تعد العقيدة القتاليّة، التي يؤكد "حزب الله" إمساكه بها، عنصراً أساسياً في عمل الحزب، حيث تُمثل مصدر قوة معنوية واستمرارية في مواجهة الضربات الإسرائيلية المتكررة. ولطالما لعبت عقيدته دوراً محورياً في المعارك التي خاضها، إذ تُمكّن الحزب من الحفاظ على وحدته واستمراريته رغم الضغوط العسكرية.
كما يعتمد حزب الله على لامركزية القيادة، مما يجعل بنيته التنظيمية أكثر صعوبة في الاختراق والإضعاف من قبل إسرائيل، رغم استهدافها المتكرر لقادته.
"مترو غزة" والذكاء الاصطناعي
كشفت إسرائيل خلال حرب غزة الأخيرة عن بعض أوراقها في مجال التكنولوجيا العسكرية المدعومة بالذكاء الاصطناعي. إذ هدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتدمير حماس عبر استخدام خرائط لشبكة الأنفاق تحت الأرض، التي أُطلق عليها اسم "مترو غزة". وأظهرت دراسة حديثة أجرتها الأكاديمية العسكرية الأميركية "ويست بوينت" أن هذه الشبكة تتألف من حوالي 1300 نفق تمتد لمسافة 500 كيلومتر.
ولرسم خرائط الأنفاق، استعانت إسرائيل بطائرات بدون طيار مزودة بتقنيات ذكاء اصطناعي قادرة على تحديد الأهداف البشرية بدقة، بما في ذلك طائرات من إنتاج شركة "روبوتيكان" الإسرائيلية الناشئة. وصرح مسؤول إسرائيلي بأنها تُستخدم في غزة لدخول الأنفاق واستكشاف محتوياتها عبر الاتصالات المتاحة.
عقيدة قتالية
وفيما تتفوق إسرائيل بوضوح في مجال الحرب الإلكترونية والتكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك أنظمة الذكاء الاصطناعي والأقمار الصناعية التي تُمكّنها من تنفيذ عمليات دقيقة، يعتمد حزب الله على تقنيات أقل تعقيدًا ولكنها فعالة لتحقيق أهدافه. تُركز تكتيكات الحزب على استهداف مواقع عسكرية إسرائيلية حساسة، وهو ما شكّل تحدياً كبيراً لمنظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية في الحروب السابقة.
ورغم الفجوة التكنولوجية، تمكن حزب الله من إلحاق خسائر ملموسة بإسرائيل على المستويين العسكري والنفسي، تم توثيقها في المداولات الاعلامية لاسرائيل. ففي قتاله، اعتمد على استراتيجيات مبتكرة وإمكانات محدودة نسبياً، لكن يمكن أن تكون فعّالة في مواجهة قوة تكنولوجية متقدمة.
وفيما توشك الحرب أن تضع أوزارها، تتزايد الأسئلة عن التوازن بين التكنولوجيا المتقدمة والاستراتيجيا، وما إذا كان هذا العامل الحاسم في أي مواجهة مقبلة، في حال فشلت الاتفاقات الاخيرة في تثبيت وقف دائم لإطلاق النار.