فاز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تونس خلال دورتها الـ30، عن ديوانه "يغتسل النثر في نهره"، الصادر عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع. وقالت لجنة التحكيم في بيان إنها منحت الجائزة (8 آلاف دولار) لداغر "لاختلاف الكتاب عن كثير من السائد في قصيدة النثر وفي البناء الشعري والمعرفي، ولما تميز به وما احتواه من لغة حية وبنية محكمة وكتابة موقعة متعددة مشرعة على الأجناس الأدبية".
هنا كلمة الشاعر في المناسبة:اسمحوا لي، بداية، بقدر من البوح، وهذا ليس من باب الافتخار، وإنما من قبيل وصف الحال، بيني وبين هذه الجائزة. ترشحتُ لأكثر من جائزة عربية، وفزتُ بأكثر من جائزة عربية. إلا أنني لم أترشح لأي جائزة خاصة بالشعر، لعلمي بأن جوائز عربية مرموقة لم تُمنح مرة واحدة لشاعر يَكتب القصيدة بالنثر، إلا لمحمد الماغوط عشية وفاته. هذا عنى موقفا مسبقاً من هذه القصيدة، فيما يعودون إلى شعرائها ودارسِيها في ندوات الشعر العربي الحديث. وهذا جعلني أتردد في الترشح لجائزة أبي القاسم الشابي، قبل أن أُقدِم على ذلك في الأيام الأخيرة من الفترة القانونية لقبول الترشيحات. أما أسباب ترشحي فعادتْ، أولاً، لكون هذه الجائزة تقترن باسمِ شاعرٍ لا يزال - على الرغم من وفاته الباكرة - يَلمع في سماء الشعر، بنبرته الحيوية، وخياله المتوقد، وفكره المتمرد. أما السبب الثاني فعاد إلى كون الجائزة تَصدر، منذ نشأتها قبل نيف وأربعين عاماً، عن مصرف، عن "البنك التونسي"، الذي طلبَ اقترانَ اسمه بالأدب العربي، شعراً ورواية، للتونسيين كما للعرب: هذا مدعاة للاعتزاز بنهجهه الراعي لثمار الأدب العربي المخضلة في أشجارها. أما السبب الثالث فعاد إلى معرفتي بكون الجائزة تَصدر عن لجنة تحكيمية مستقلة، وأكاديمية، يترأسها في هذه الدورة شاعر مرموق ودارس قدير للشعر العربي، في قديمه وحديثه : الدكتور الشاعر منصف الوهايبي. هذه الأسباب التي ذكرتُ تتحول إلى مصدر اعتزازٍ وتشرُّفٍ إذ أفوز بجائزة الشابي. وهو اعتزازٌ وتشرفٌ مزيدان لكوني تباريتُ مع شعراء كثر (على ما جرى ذكره)، ولا سيما مع شاعرَين في القائمة القصيرة: شاعران، أَعرفُ وأقدرُ شعرهما منذ وقت، وهما: الشاعرة مها العتوم من الأردن، والشاعر حافظ محفوظ من تونس.كلمة وحيدة في كتابي الفائز، "النثر يغتسل في نهره": يعيدني كتابي، وهو السابع عشر في شعري، إلى المصدر والمجرى، سواء في العمر والنهر، أو في الشعر والنثر، أنا الورقة الطافية في مسراه بين كتمان الصخور وشغف الفراشات. لذلك قلتُ، وأستعيد القول: أكتب كما لم أكن، ولن أكون. أكتبُ بين الرغبة والإمكان والسعي وفتح النوافذ في الجدران الصفيقة. أكتبُ في اللحظة، ما يَجمعني بما يخفاني ويثيرني: في ذلك التهاوي اللذيذ بين أن تكون ما كنتَ، وأن تكون غيرَه.أيها اللهو، يا طفلي الذي ابيضَّ شَعرُه، لا تعدو كونك جملةً ناقصة تسعى إلى الاستقبال.أيها الشعر، أنت الأبعد والأعمق في ما سعيتُ إليه في عمري: لولاكَ لما كنتُ هنا... فرحتي صامتة، لكنها أكيدة: لعلها تخفف بعض ألمي في هذه الأيام اللبنانية والفلسطينية الصعبة؛ وهي كذلك فرحةُ أن أصل إلى توزر، إلى هذه الواحة الصحراوية التي أنبتتْ تلك النخلة السامقة، نخلة الشابي، ذلك الشاعر الشاب الأبدي. ليحيا الشعر، وهو الأقدم والأعلى في ما أبدعتْ قدرة الإنسان على التخيل والتسامي والتحرر.
(توزر، 23-11-2024).