"وضع الضيعة مأساوي شو بدي قلقكن". عبارة قالها أحد الشبان الذين وصلوا صباحاً إلى قرية حولا الحدودية. وثق الدمار الذي تعرضت له القرية بالصورة والصوت ناعياً وضع هذه القرية الحدودية، التي تعرضت لدمار كبير.غير صالحة للسكنمشاهد الدمار التي وثقها الشبان الذين وصلوا إلى القرية لطمأنة الأهالي لا توصف ولا تبعث أي طمأنينة. صحيح أن هناك نحو 250 وحدة سكنية سويت بالأرض في القرية، لكن باقي البيوت، التي لم تقصف وتسوى بالأرض، تعرضت لإطلاق نار عشوائي وأحرقت. فقط بيوت قليلة ما تزال قائمة في القرية وغالبيتها غير صالحة للسكن، وتحتاج إلى سنوات من إعادة الإعمار.يروي أحد هؤلاء الشبان الذين وصلوا صباحاً لـ"المدن" أنهم تعرضوا لإطلاق النار وقصف مدفعي بعيداً عنهم لا سيما عندما اقتربوا من الأحياء المتاخمة للحدود. تراجعوا من تلك المنطقة، وتمكنوا من توثيق الدمار في مختلف أنحاء القرية التي "لم تعد صالحة للسكن". فالطرق مدمرة ومقطوعة بسبب ردم الدمار، وأعمدة الكهرباء بالأرض والأشجار وكل شيء. أحياء بكاملها سويت بالأرض ولم يبق فيها حتى منزل واحد. ووصل التنكيل بالقرية حد تدمير مقبرة شهداء العام 1949 في وسط القرية. ويضيف: ربما لن نتمكن من السكن في القرية قبل خمس سنوات، فقد باتت خراباً بخراب. ذاهب إلى المجهولمنذ أكثر من سبعة أشهر نزح غالبية سكان القرية إلى منطقة النبطية أو إلى بيروت لدى أقاربهم. لكن بعد توسع العدوان في أيلول المنصرم، عادوا ونزحوا إلى مختلف المناطق وصولاً إلى عكار. فغالبية أبناء هذه القرية لديهم أقارب في الضاحية الجنوبية ومصير أهل الضاحية كان نزوحاً أيضاً.يشرح أحد أبناء القرية صبحي عبدالله أنه فضل البقاء نازحاً في طرابلس اليوم في انتظار معرفة كيف ستتجه الأمور. فقد تعرض بيته لغارة في حولا ولم يعد له أي مأوى. ويروي أنه بعد نزوحه الأول سكن في منزل في النبطية. لكنه تريث للذهاب إليه اليوم، بسبب ازدحام السير في طرابلس للنازحين العائدين من ناحية، ولأنه لا يعرف مصير هذا المنزل أيضاً. فقد أوصى أحد معارفه لمعاينة المنزل في النبطية قبل اتخاذ قرار ترك طرابلس. فقد سبق وتعرض الحي لغارات إسرائيلية. ومنذ أسبوعين عندما ذهب لتفقده كان بحالة يرثى لها: بلا نوافذ وأبوابه مخلعة. لكن تلك المنطقة في النبطية تعرضت للمزيد من الدمار. حتى أن الذين وصلوا صباح اليوم إلى النبطية أبلغوه بأن هناك صعوبة بالذهاب إلى الحي بسبب الدمار الذي أقفل الطرق.لن يعود عبدالله إلى حولا قريباً. سيذهب لتفقد منزله المدمر لكن قلقه الحالي هو أنه "سيذهب إلى المجهول" كما يقول. ففي حال كان المنزل المستأجر في النبطية مدمراً لن يكون له ولعائلته أي خيار للسكن، سوى اللجوء إلى الأقارب والرفاق. فـ"بيتي في حولا حيث سكنت منذ ما بعد التحرير تعرض لغارة مباشرة. ومحلات الحدادة التي كنت أعمل فيها تعرضت لغارتين. وفقدت كل شيء جنيته طوال حياتي".في حيرة من أمرهمثل عبدالله فضّل تمام مصطفى البقاء في عكار، حيث نزح منذ نحو شهر. تريث بالذهاب إلى حولا لأنه لم يعرف بعد الوجهة التي سيسلكها، هذا فضلاً عن أن الدمار في القرية كبير. فهو مثله مثل باقي أهالي القرية تعرض بيته لغارة إسرائيلية سوّته بالأرض، وتعرض فرن المناقيش الذي كان يديره للدمار أيضاً.ويقول مصطفى: "أريد تفقد الدمار عندما تسنح الظروف. لكن أنا حالياً في حيرة من أمري. احتاج لبعض الوقت للتفكير إلى أين سأذهب. ربما أعود إلى حولا حتى لو سكنت في خيمة بجانب منزلي المدمر، وربما لن أعود لإعادة تأسيس حياتي من جديد. ما زال من المبكر تحديد وجهتنا. حالياً من المستحيل السكن في حولا في ظل الدمار الكبير. باتت القرية غير صالحة للسكن ليس بسبب الدمار بل بسبب عدم وجود الخدمات الأساسية. ما يحضرني حالياً أنني سأعود إلى بيروت لدى الأقارب إذا كانت بيوتهم في الضاحية تصلح للسكن.انطلق حسام عبدالله ابن بلدة حولا عند الساعة الرابعة من بيروت وذهب إلى كفرجوز في النبطية لتفقد منزله وعمله. بقيت عائلته في بيروت حيث نزح لأنه كان على يقين بأن بيته إذا لم يكن مدمراً فسيكون غير صالح للسكن جراء الغارات الكثيفة التي تعرضت لها النبطية وكفرجوز.
وحسام أبن بلدة حولا يعمل ويسكن في كفرجوز منذ زمن بعيد. منزله في حولا هو وأخوته المؤلف من ثلاثة طبقات سوّته غارة إسرائيلية بالأرض إلى جانب بيوت جيرانه في وسط القرية. لكن أمله كان بأن يكون بقي له مسكن في النبطية. خاب أمله، وعاد إلى بيروت حيث نزح. فقد وجد أن بيته الثاني قد تحول إلى ركام: بلا أبواب ولا شبابيك والأثاث مكسر وممزق، بسبب تعرض الحي إلى غارة عنيفة. وبيته، كمثل مكتبه في النبطية، بات كومة حطام، جراء تعرض المبنى الملاصق لمكتبه إلى غارة عنيفة.يرثي مصطفى قريته حولا التي تعرضت لدمار كبير، بالقول: "لقد بعت 16 دونماً من الأرض التي ورثتها كي أعمّر بيتي، واستدنت أيضاً. وحالياً لم يبق من العمر متسعاً لمعاودة الكرّة. لقد عدنا أكثر من 24 سنة إلى الوراء. بعد التحرير عاد أهالي القرية وأنشأوا منازل. وضعوا كل جنى عمرهم فيها. ما يعني أننا بحاجة لعمر إضافي كي نعود بعد 24 عاماً إلى ما كان الوضع عليه قبل سنة، عندما بدأت الحرب وبدأ النزوح".