وسط غياب الأخبار عن موعد تشكيل الحكومة السورية الجديدة، التي قال رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع إنها ستكون حكومة انتقالية شاملة تمثل جميع السوريين، تختفي من من منصات الأخبار السورية التخمينات حول من سيشغل منصب وزير الثقافة فيها. وهذا الأمر لا يقتصر على هذه الوزارة فقط، بل يشمل كل المقاعد الوزارية.منذ سقوط النظام في 08/12/2024 وحتى اليوم، لم يُعلن عن رعاية وزارة الثقافة لأي فعالية. صحيح أن الحراك الثقافي ما زال خجولًا، إلا أنه قائم، ونقرأ بين الحين والآخر أنباء عن فعاليات هنا وهناك. لكن أخبار ديالا بركات، وزيرة الثقافة التي تولت منصبها في عهد النظام البائد في شهر أيلول الفائت، اختفت بعدما سرت شائعة —تم نفيها لاحقًا— تقول إن القيادة الجديدة أوكلت إليها تسيير شؤون الوزارة، بالنظر إلى كونها جديدة في المنصب ولم يُعرف عنها "التشبيح" للأسديين، أي أنها ستدير العمل بشكل إجرائي، من دون تحميل موقعها أي دلالات تتجاوز الأداء التقني.وفي ظل هذا الواقع، تم صرف النظر عن الأخبار السارة المتعلقة باستعادة العضوية في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "الإيسيسكو"، بعد إعلان منظمة المؤتمر الإسلامي عودة سوريا إلى المنظمة عقب إيقاف استمر 13 سنة، تسبب في فقدان المؤسسات المحلية لآليات عمل تحتاجها بشدة كي يستقيم أداؤها. وهذا ما يؤكده الإعلان عن اجتماع عاجل عبر الإنترنت، عُقد بين المدير العام للآثار والمتاحف، الدكتور أنس حج زيدان، ومدير مركز "الإيسيسكو" للتراث في العالم الإسلامي، الزيمبابويّ ويبير ندورو، بحضور عدد من الخبراء والمسؤولين، حيث جرت مناقشة سبل التعاون المستقبلي بين المنظمة والمديرية. وقد تقرر بعده إيفاد بعثة تقنية إلى سوريا لتقييم الاحتياجات الفنية واللوجستية للمديرية العامة للآثار والمتاحف، بهدف تعزيز قدراتها في مجالات الحفاظ على التراث الثقافي السوري.السوريون في الظرف الحالي ليسوا منشغلين بالثقافة وفعالياتها، ولا حتى بالقضايا التقنية في عملها، فهم غارقون في البحث عن لقمة العيش وسط ظروفهم العصيبة الراهنة. كما أنهم يتساءلون بشدة عن غياب الإعلام الرسمي، ولا سيما القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية، في ظل ضعف وكالة "سانا" الرسمية، التي تعد المزود الحصري بالأخبار للمؤسسات الإعلامية الرسمية.أما الأدوار التي يُفترض بالمثقفين الفاعلين في مجالاتهم أن يؤدوها وسط حالة الانقسام المجتمعي، فتبدو مهتزة وغير مقنعة، خاصة في ظل تشكيك المثقفين أنفسهم في المواقف الأخلاقية لزملائهم. وقد ظهر هذا بشكل واضح إثر الجرائم التي ارتكبتها بعض الجهات في الساحل السوري، بعد إفشال ما سُمّي بمحاولة الانقلاب التي قادها فلول النظام! ورغم وجود اتفاق عام بين المشتغلين بالشأن الثقافي على إدانة ما جرى، إلا أن هناك حديثًا متكررًا عن وجود التباس لدى آخرين لم يعلنوا موقفًا حاسمًا مما حدث. لا بل إن بعضهم ظهر—بحسب المنتقدين—وكأنه يدافع عن القتلة بحجة أسبقية جرائم الأسديين! ربما كان من الأفضل في مثل هذه الحالات ألا تُساق الانتقادات من نوافذ العمومية، بل أن يُنتقد أشخاص بعينهم، كما حدث في بداية الثورة السورية العام 2011، حينما تم رصد مؤيدي القمع من المثقفين وإدراجهم في قوائم عُرفت بــ"لوائح العار".الجدل بين المثقفين المنتشر في صفحات وسائل التواصل الاجتماعي كان مرئيًا لجمهور المتابعين، وكان ينعكس بشدة في صورة هذه الفئة المجتمعية. وبدلًا من أن يسهم المعنيون في تحسين صورة الثقافة السورية، بدا وكأن التردي السابق كاد أن يطاول الجميع، إذ صار الكل قاب قوسين أو أدنى من التخندق الطائفي!وهنا، يُطرح السؤال: ما القيمة المهمة التي يصنعها المثقفون المنخرطون في الشأن السياسي السوري؟ فهم لا يباشرون نشاطًا توعويًا مؤثرًا، ولا يجتمعون لتشكيل حالة ضغط على القوى الفاعلة للحد من أضرار الكارثة الطائفية. حتى تلك البيانات التي تم نشرها والدعوة إلى التوقيع عليها، ظهرت بلا قيمة، إذ لم تحظَ بدعم الإعلام، الذي باتت الثقافة وأحوال المثقفين بعيدة تمامًا عن اهتماماته!فهل يمكن لعودة وزارة الثقافة إلى المشهد أن تؤثر في المرحلة المقبلة؟ وعلى وجه الدقة في شد المشهد الثقافي وشخصياته نحو اجتماع وطني على مبادئ المواطنة والفعالية المؤسسة للوعي السياسي الديموقراطي؟من خلال نظرة مسبقة، لا يمكن التعويل على الوزارة كمؤسسة وأجهزة، بل يمكن ترقّب السمات القيادية التي سيتحلى بها الوزير أو الوزيرة القادمة. فقد تعود الوزارة إلى العمل دون أن يكون لها دور مؤثر، كما كان الحال طوال السنوات الماضية. لكن المشهد قد ينقلب رأسًا على عقب فيما لو كانت الشخصية المرتقبة تريد لحضورها أن يكون فاعلًا ومؤثرًا، وألا يشكل الانشقاق الحاصل بين المثقفين عقبة كأداء أمام الهدف الأساسي، وهو استعادة سوريا ثقافيًا من عتمة البؤس الأسدي وما تسبب به لعموم السوريين.