بدأت مرحلة جديدة في شمال شرق سوريا وفي قضاء سنجار العراقي؛ مع إعلان القائد التاريخي لحزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، إنهاء الصراع المسلح في 27 شباط/فبراير الماضي، وبعد الاتفاق الذي حصل بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وزعيم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي في 10 آذار/مارس 2025. لكن التحولين الكبيرين في مسار القضية الكردية، ما زالا غير مُكتملين، ويمكن اعتبار ما حصل حتى الآن؛ بمثابة تنظيم للخلاف، أكثر مما هو حلّ نهائي للمشكلات القائمة.
بطبيعة الحال؛ يختلف ما يحصل في شمال غرب العراق، وتحديداً في قضاء سنجار – معقل الأقلية الأيزيدية – عمّا يحصل في شمال شرق سوريا، لكن تقاطعات إقليمية ودولية ومحلية تربط بين الملفين. واستلام قوات الجيش العراقي النظامية لأمن مدينة سنجار منذ مطلع أيار/مايو 2022، ما زال دون اكتمال، والتعايش مع الأمر الواقع بين هذا الجيش والمليشيات المحسوبة على حزب العمال الكردستاني والمتعاونة مع مجموعات من الحشد الشعبي؛ ما زال قائماً، بما يشبه المُساكنة المفروضة بين قوات هذا الجيش وفصائل الحشد الشعبي في مناطق عراقية مختلفة، بحيث أن سيادة الجيش مُنبسطة فوق الأرض، بينما مصالح المجموعات مؤمنة تحتها.
المصادر المتعددة، تتحدث عن استمرار نفوذ الفصائل الكردية المحسوبة على حزب العمال في قضاء سنجار، وهي تتعاون على قدمٍ وساق مع فصائل من الحشد الشعبي، ولديها أنفاق خيالية تحت الأرض في الجبال، يمكن لها أن تتحرَّك بداخلها بكل سهولة، وتمارس عبرها كل أنواع أعمال التهريب التجاري، وربما تمرير الممنوعات، وتصل هذه الأنفاق الى الأراضي السورية، وهي تؤمن جزء من وظيفة البنى التحتية الخفية التي كانت قائمة في المناطق الجبلية التي تفصل لبنان عن سوريا قبل سقوط نظام الأسد. ووزير خارجية العراق الكردي فؤاد حسين؛ كان واضحاً في اشارته الى ضرورة بسط سيادة الدولة كاملةً على كل أراضي العراق، ومنع كل اشكال التهريب عبر الحدود، في غمزٍ واضح من قناة المجموعات المدعومة من ايران. والجيش العراقي يراعي "التفلُّت" في الوقت الحاضر، تجنباً لعمليات تفجير وقتل وفوضى قد تُقدم عليها هذه العناصر.أما فيما يتعلَّق بشمال شرق سوريا؛ فيبدو أن الاتفاق الذي حصل بضغط أميركي وبمساعدة من الزعيم الكردي العراقي مسعود البرزاني، بين الرئيس الشرع وعبدي بدمشق؛ لم ينفذ حتى الآن بكامل مُندرجاته، وحقول النفط السورية التي تقع تحت سيطرة "قسد" لم تُسلَّم للحكومة الانتقالية وفق الآجندة التي تم التوافق عليها، وقد أُعلن عن تأجيل موعد الاستلام أكثر من مرَّة، بينما الإختناق الاقتصادي في سوريا يتفاقم، بسبب النقص الحاد في المواد النفطية التي تحتاجها السوق الاستهلاكية، لاسيما في مجال النقل، ولتوليد الكهرباء. واندماج الفصائل المسلحة لقوات سوريا الديمقراطية بقوات الجيش والأمن النظامية المركزية؛ لم يحصل كما بعد.
من الأفضل عدم التسرُّع بإعلان فشل التسويات التي حصلت في هذه المناطق الاستراتيجية الحساسة، ذلك أن قوة الدفع الأميركية، والقبول التركي؛ ما زالا أقوى من عناصر العرقلة، وواشنطن واضحة في هذا السياق، بحيث أنها تعتبر أي فوضى او اقتتال في سوريا، كما أي محاولة تقسيم للبلاد، سيعطي فرصة لإيران للعودة على حصانٍ أسود. فطهران تمتلك مهارة فائقة في استثمار الفوضى، وهي تدرك أن تقسيم سوريا، سيفتح أمامها أبواب العودة لبسط نفوذها على الساحل، لأن التركيبة الديمغرافية في غالبية مُدنه وقُراه تسمح لها بذلك.
أنتجت الاتفاقات التي حصلت في أيار 2022 في العراق، وفي آذار 2025 في سوريا؛ مجموعة كبيرة من التسويات الاستراتيجية، وخصوصاً الوصول الى قناعة دامغة بأن قيام دولة كردية صافية في شمال العراق وشمال سوريا؛ صعبة المنال، وأكراد سوريا الذين قدموا بمعظمهم من ديار بكر التركية، بسبب الاضطهادات التي تعرضوا لها عبر التاريخ؛ تأكدوا أن انفصالهم عن الحكومة المركزية في دمشق، سيُنتج لهم مشكلات داخلية لا تنتهي، لاسيما أن أكثر من 50 بالمئة من سكان مناطقهم الأساسية في الحسكة والقامشلي ومنبِج من العرب، وهؤلاء لن يُسلموا بقيادة كردية دائمة عليهم، ولا بالإنفصال عن الوطن الأم سوريا.
بإنتظار نجاح تسليم "قسد" لحقول النفط للحكومة السورية الجديدة، وبإنتظار عودة كامل النازحين الأيزيديين الى مدينة سنجار العراقية؛ يمكن اعتبار ما حصل في شمال غرب العراق، وفي شمال شرق سوريا، خطوات توحيدية وسيادية هامة، لكن هذه التسويات لم تنتج حلاً نهائياً للمُعظلات القائمة في تلك المناطق حتى الآن.