على خلفية حبس الأنفاس الذي تعيشه المنطقة، بانتظار ما سيتمخض عنه الحوار الأميركي الإيراني في حال جرى، طرحت "المدن" على عدد من الخبراء عدة أسئلة تتعلق باحتمال عقد هذا الحوار، وما المنتظر منه، وموقف طرفيه المباشرين وروسيا منه. اثنان من الخبراء رأينا أن نصوصهما الأخيرة تجيب على أسئلتنا.المدير التنفيذي لمركز دراسات الشرق الأوسط الأوكراني Igor Semivolos، وفي تواصل لـ"المدن" معه، رأى أن عقد مفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران ممكن الآن، لكنه يستبعد نجاحها وعقد صفقة نووية جديدة. وقال إن المفاوضات يمكن أن تجري عبر وسطاء، ولكن من غير المرجح التوصل إلى اتفاق جديد في الأشهر المقبلة من دون تغييرات جذرية في مواقف الأطراف.
وقال إن الاستعدادات الإسرائيلية لشن ضربة على المواقع النووية الإيرانية، تشير إلى أنها محتملة الآن، لكن توقيتها يعتمد على ما إذا كانت تل أبيب تعتبر الحوار بين الولايات المتحدة وإيران تهديداً حقيقياً لأمنها. ويرجح أن تتحرك إسرائيل قبل بدء المفاوضات إذا رأت أنها غير فعالة، ويتوقع أن تقع في نيسان/أبريل- أيار/مايو المقبلين.
وعن دور روسيا في المفاوضات كشريك أو مراقب، قال إن لروسيا مصلحة استراتيجية مع إيران. فهي تدعم إيران كحليف ضد الغرب، وتدعم الجهود الإيرانية لتقويض الحكومة الجديدة في سوريا، وتزودها بالتكنولوجيا. ويشير إلى أن ترامب طلب من بوتين خلال الاتصال الهاتفي أن تلعب روسيا دور الوسيط مع إيران، لكن الأخيرة لم تعد تثق بأي من الأطراف التي وقعت الصفقة النووية الأولى، بمن فيهم روسيا. ويقول إن روسيا ستوازن بين دور الوسيط وعدم التدخل.في تواصل معها، قالت الصحافية الروسية المستقلة والخبيرة بالشؤون الإيرانية Yulia Yuzik، إنها تستبعد أن تجري مفاوضات أميركية إيرانية. وترى أن مستوى خطر قصف إيران وغزوها، هو الأعلى خلال الاثنتي عشرة سنة التي بدأت خلالها تراقب ما يدور في إيران. وهي لا ترى حتى الآن أي عوامل تسمح لإيران بتفادي ذلك. فقط في حال حدوث شيء ما لخامنئي خلال هذه الأسابيع، ويتم على وجه السرعة انتخاب زعيم جديد يعطي الضوء الأخضر للصفقة. وترى أن توجيه الضربة لإيران قد يكون هو الشكل الذي يتخذه العبور إلى عهد جديد في إيران، إذا كان لدى الأميركيين والإسرائيليين مسار تفاوضي مع أحد ما في الظل. والسيناريو الأسوأ بالنسبة لإيران، والذي قد يكون مدار بحث الآن، غزو بري بعد الغارات الجوية. ولذلك، يتم العمل بشكل استباقي على تصفية أذرع إيران القادرة على توجيه ضربات مؤلمة لشركاء الولايات المتحدة في المنطقة والبنية التحتية للسعودية ودول الخليج. وأضافت، أن أسعار النفط ستحلق مع بدء العمليات العسكرية. واعتبرت أن هذا يتضمن الإجابة عن سؤالها عن موقف بوتين مما يجري بين إيران والولايات المتحدة.الخبير الروسي المعروف في الشؤون الإيرانية Nikita Smsgin نشر في 24 الجاري نصاً على موقع الخدمة الروسية في Forbes الأميركي بعنوان "...هل تستطيع روسيا أن تنأى بنفسها عن إيران من أجل التقارب مع الولايات المتحدة؟".
رأى الخبير أن إيران تراقب بقلق المفاوضات الروسية الأميركية، وتخشى أن تصبح ورقة مساومة روسية في اللعبة الدبلوماسية. وفي ختام الاتصال الهاتفي مع بوتين، أعلن ترامب أن الطرفين توافقا على "أن إيران لا ينبغي أن تكون في وضع يسمح لها بتدمير إسرائيل". ومع اقتراب الجانب الإسرائيلي أكثر من أي وقت مضى من ضرب المنشآت النووية الإيرانية، فإن هذه الرسالة يمكن قراءتها على النحو التالي: موسكو مستعدة للتضحية بطهران من أجل تحسين العلاقات مع واشنطن. لكن الخبير نفسه يشكك بصحة هذه القراءة.
وأشار الخبير إلى أن عدم الثقة بروسيا كشريك مضمون، هو تقليد متوارث في المجتمع الإيراني.
وقال إن تاريخ روسيا المعاصر ليس مدعاة للتفاؤل لدى نخب الجمهورية الإسلامية. بعد سقوط الاتحاد السوفياتي توجهت روسيا نحو الغرب، ولم تكن تعترض في مجلس الأمن الدولي على القرارات المعادية لإيران، التي كانت تطرحها الولايات المتحدة. وحتى بداية العملية العسكرية الروسية في سوريا عام 2015، لم تكن لإيران أهمية مستقلة في السياسة الخارجية الروسية، بل كان الاتجاه الإيراني يستخدم للضغط على الغرب أو لإيجاد حلول وسط. في ذلك الحين كانت مقولة "إيران ورقة مساومة روسية مع الغرب" عند أقصى نقطة قريبة من الحقيقة.
لكن موقع إيران لدى روسيا تعزز بعد العملية العسكرية في سوريا والحرب في أوكرانيا ومحاولات الغرب عزلها عن العالم. إلا أن الخلفية التاريخية توحي للنخبة الإيرانية بفكرة تقول إن كل خطوات التقارب يمكن العودة عنها حتى العام 2013 الإفتراضي. ولذلك ليس من المستغرب أن تنظر إيران بعين الشك إلى الحوار بين ترامب وبوتين.رأى الخبير أن احتمال توجيه ضربة لإيران قد تعزز جداً بعد الإنذار الأخير الذي وجهه ترامب إلى خامنئي. وقال إن روسيا في هذه الحالة ستدين العمل العسكري بشدة، لكنها لن تدافع عن حليفتها وتخاطر بدخول مجابهة مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. وبما أنها لا تستطيع التأثير بتطور الأحداث، فستتخذ موقف المراقب المعني بالأمر، ويتولى مثلث الولايات المتحدة- إيران- إسرائيل معالجة المسألة.متابع شؤون الشرق الأوسط في صحيفة NG الروسية Igor Subbotin نشر في 25 الجاري نصاً، رأى فيه أن إسرائيل تريد خنق الحوار الأميركي الإيراني في المهد.
قال الكاتب إنه حتى احتمال وجود حل وسط بين الولايات المتحدة وإيران، يثير قلق إسرائيل. وأشار إلى الوفد الإسرائيلي الذي توجه إلى واشنطن الثلاثاء المنصرم بهدف "إجراء محادثات في إطار المجموعة الاستشارية الاستراتيجية". ونقل عن مصدر إسرائيلي صرح للموقع الأميركي Al-Monitor بأن هدف الوفد هو "إيصال رسالة إلى ترامب مفادها أن هناك قنبلة موقوتة تحت إيران، وأننا في فترة لا يمكنك فيها أن ترمش أو ترفع عينيك عن الكرة". وتابع المصدر قائلاً "نحن بحاجة إلى زيادة الضغط، ولا يمكننا أن نسمح لإيران بالمماطلة من أجل كسب الوقت. إذ بإمكانها استخدام هذا لتحقيق اختراق نووي سريع، وعندها سيكون الأوان قد فات". ويمضي الموقع الأميركي في النقل عن المصدر الإسرائيلي، ليقول إن الإسرائيليين "يحلمون بأن يقوم الأميركيون بهذا العمل".نائب مدير مركز دراسات الشرق الأوسط الأوكراني Sergey Danilov، وفي تواصل معه، قال لـ"المدن" إن هناك فرصة لبدء المفاوضات، لكنها ليست مضمونة بنسبة مئة في المئة. ويحتاج أنصار السياسة الخارجية الإيرانية البراغماتية إلى إيجاد حجج جديدة، لكن إدارة ترامب ليست في عجلة من أمرها لمساعدتهم في القيام بذلك.
وعن الضربة الإسرائيلية للمواقع النووية الإيرانية، لا يشك الخبير في استعداد إسرائيل لتوجيه مثل هذه الضربة. ويرى أن الضربة قد تكون جزءاً من الجهود المبذولة لإجبار إيران على التفاوض من مواقع جديدة. وتكتيك الإكراه على التفاوض سبق للبيت الأبيض أن استخدمه في صراعات أخرى.
وعن دور روسيا في الحوار الأميركي الإيراني، قال الخبير إن الإيرانيين يخشون من أن تخون روسيا بلادهم على خلفية تقاربها مع الولايات المتحدة.