دمشق - هدى العبود

لم يكن المعهد العالي للفنون المسرحية في حياتهم مرحلة دراسة فقط، ولم تكن دمشق مكانا لتسجيل شهادة ميلادهم، بل بقي أثرها في صميم خريجي المعهد ليعودوا من بلاد الاغتراب إلى رحاب وطنهم من خلال دار الأسد للثقافة والفنون ليقدموا خبراتهم فيها من خلال عمل مسرحي متقن سمي «تاج العروس» ليجوبوا به بعد انطلاقته من دمشق عدة دول في العالم.

وقال المايسترو أندريه معلولي مدير دار الأسد للثقافة والفنون لـ «الأنباء»: المسرح الراقص يعتبر من الفنون المهمة جدا ضمن الساحة الفنية التي تجسد الحياة العامة للمجتمعات، وستشاهدون أن أحداث العمل المسرحي «تاج العروس» التي جرت أحداثه في مدينة إشبيلية ومحيطها أواخر العام 1485، حيث تتشابك قصة عشق مع وقائع مطاردة الإسبان للعرب واضطهاد الغجر، لتشكل في مجملها صورة بانورامية تجتمع فيها ملامح من الجمال والسحر مع ظروف في غاية من الصعوبة.

وتابع: سيكون عشاق المسرح على موعد مع عمل مسرحي موسيقي، يشارك فيه أكثر من 60 راقصا وراقصة من الخبرات الأكاديمية والاحترافية وبمشاركة عدد من فناني الدراما السورية.

بدوره، قال المغترب أحمد زهير مخرج عرض «تاج العروس» لـ «الأنباء»: إن دمشق هي شامنا وشام الدنيا، بلد الحب والسلام تستحق أن يعرض فيها أهم الأعمال الفنية ذات الإنتاج الضخم والتي ترتقي بالذائقة الفنية للمتلقي السوري، ولطالما اقترن اسم المؤلف الموسيقي محمد هباش مع الشاعر محمد عمر في صياغة العروض الراقصة، لاسيما مع فرقة «إنانا» السورية التي انطلق بها الفنان الفلسطيني جهاد مفلح مع بداية الألفية الثالثة، ليشكلا مع هباش وعمر ثلاثية الرقص والشعر والموسيقى في تجارب مسرحية لافتة، كان أبرزها «هواجس الشام» و«صقر قريش» و«جوليا دومنا».

وعن مضمون «تاج العروس»، قال زهير: هي عبارة عن قصة حب جرت بين فتاة تدعى وجيدة (رنيم ملط) والشاب الغجري خابيرو (معتصم عمايري)، جرت أحداثها عام 1485 في إشبيلية، مع بدايات خروج العرب واليهود من الأندلس بعد عقود من الاستقرار والازدهار والتعايش السلمي بين الطوائف، يقع الأمير الإسباني ألفونسو (جوان تتر) في حب «وجيدة»، الفتاة لتقع «وجيدة» بين نارين الاختيار بين حبها الأول للأمير الغجري مغني الفلامنكو وعازف الغيتار، أم تحظى بالسلطة والمال والجاه مع الأمير الذي تسيطر قواته على البلاد، لكن قلبها يختار حبيبها الغجري فحكم عليها بالموت معه بسيف «ألفونسو» عروسا يكون تاجها النار والدم، وللعلم فإن مسرحية «تاج العروس» حظيت بالاتفاق بين شركتي «دانس» للرقص المسرحي كشركة منتجة، وبالتعاون مع دار الأوبرا السورية.

وردا على سؤال يتعلق بتجربته في مجال المسرح الراقص، قال زهير: بدأت العمل في الفن كراقص أكاديمي وسافرت بعد الدراسة إلى الإمارات ولبنان والسعودية، وأنشأت شركة في دبي منذ 12 سنة، وقدمنا عدة أعمال في عدة بلدان عربية، أما عرض «تاج العروس» فقد رغبنا أن تكون انطلاقته من دمشق، ونظرا لمهارة الراقصين الأكاديميين السوريين مع المخضرمين في دول الاغتراب استطعنا تشكيل مزيج راقص متناغم رغم اختلافهم، فلكل واحد منهم تكنيك خاص وطريقة مختلفة، وتمكنا خلال التدريبات والبروفات من خلق الألفة والهارموني بينهم، ما انعكس إيجابا على أدائهم في المسرح، مشيرا إلى أن الممثل حتى لو لم يتدرب على تقنيات الرقص يجب أن تكون لديه المعرفة بحركة الجسد على المسرح، لكون التمثيل على خشبته يختلف عن التلفزيون، لاحتياجه لحركة مدروسة ووقت وزمن معينين يتحكمان بدخول وخروج الممثل ويتوجب عليه أن يدرك ذلك جيدا.

بدوره، قال الكاتب والناقد سامر محمد إسماعيل: العرض يرسل إشارة قوية عن عودة لمسرح راقص كان له حضور كبير في الحياة الثقافية السورية ما قبل اندلاع الأحداث الدامية في البلاد في مارس 2011، لكن معظم المشتغلين في «تاج العروس» لم يطلعوا على ما قدمته الفرق التي تأسست في ظل الحرب، وما أنتجته من أشكال وقوالب جديدة على صعيد صياغة جذرية للفضاء المسرحي، والاستغناء عن الديكورات الضخمة لمصلحة سينوغرافيا معاصرة جل أدواتها تعتمد على الرسم بالضوء والفيديو مابينغ والغرافيك، فيما يبقى القالب الفني الذي قدمه «تاج العروس» تقليديا، وبعيدا بعض الشيء مما شهده المسرح السوري على مدار عقد من الزمن من تطوير لمفهوم العرض الراقص، ومن الاستغناء عن كل ما يمكن له أن يصادر على مخيلة الجمهور، والذهاب نحو مقترحات أكثر تجريدا للجسد الراقص، وأكثر ابتعادا من صيغ الرقص السياحي الذي يباهي بميزانيات إنتاجية ضخمة على حساب جدة المقترح الفني وقيمته الفكرية.