الثبات: حسان الحسن-

لقد بات الأمر محسومًا أن نجاح أي فرص تسويةٍ أو اتصالات تفاوضيةٍ قد تفضي إلى التوصل إلى اتفاق لوقف القتال بين الجيش الروسي وقوات حلف "الناتو" في أوكرانيا، صار معدومًا راهنًا، وذلك بعد توغل قوات الحلف الأطلسي - الأوكراني في منطقة كورسك الواقعة على ضفاف نهر سييم، في شهر آب الفائت، ثم ما لبثت أن جددت هذه القوات هجماتها على منطقة كورسك الغربية في الأيام القليلة الفائتة، فصدتها القوات الروسية بدورها، حسب ما جاء في بيانٍ صادرٍ عن وزارة الدفاع الروسية. وفي هذا الصدد، سأل الرئيس الروسي فلاديميير بوتين "أي نوعٍ من المفاوضات يمكننا التحدث عنه، مع أشخاصٍ يضربون المدنيين والبنى التحتية المدنية في شكلٍ عشوائيٍ، أو يحاولون ضرب منشآت الطاقة النووية"؟


لا ريب أن موقف بوتين، شكّل المنطلق الأساس للمواقف الصادرة عن وزارة الخارجية في موسكو، فقد أشار رئيس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف إلى أن "المفاوضات مع سلطة كييف غير واردةٍ، بعد الهجوم على الأراضي الروسية ذات السيادة". كذلك أكدت المتحدثة باسم "الخارجية" ماريا زاخاروفا أن "التوغل الأوكراني في منطقة كورسك يلغي مسبقًا أي إمكانيةٍ للتفاوض مع كييف". وفي السياق أيضًا، وتعزيزًا لهذه المواقف الواردة آنفًا، أكد النائب الأول للمندوب الروسي في الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي أن "مبادرات فلاديمير بوتين في شأن التسوية السلمية للصراع، أصبحت لاغيةً وباطلةً، بعد الهجوم الذي نفذّته القوات الأوكرانية في كورسك".


من المؤكد أن الهجوم الوحشي الذي شنته القوات المسلحة الأوكرانية على المنطقة الروسية (كورسك)، والفظائع التي ارتكبها جنود كييف في حق المدنيين في المنطقة المذكورة، دفع موسكو إلى أن تكون بحلٍ من أي التزام يفضي إلى اعتماد التفاوض لوقف الأعمال الحربية، لا بل سيدفعها إلى شن حربٍ بلا هوادةٍ، ولا رجعة فيها حتى هزيمة النظام السياسي الحاكم في كييف في شكلٍ نهائيٍ. وإذا كان جزء من النخب الروسية لا يزالون يأملون في "حوارٍ مثمرٍ" مع فريق زيلنسكي قبل الهجوم الأوكراني المذكور آنفًا، فإن عدوان القوات الأوكرانية قضى على هذه "الآمال" نهائيًا. وهنا، تؤكد مصادر عليمة أن "الجميع في روسيا أصبحوا مقتنعين تمامًا بأن أي اتفاقيات مع كييف وأمنائها الغربيين، لا تستحق الورق المكتوب عليها، أو الكلمات التي تنفق للتفاوض عليها"، على حد تعبير المصادر.


وتقول: "إن مغامرة زيلنسكي بالهجوم على "كورسك" والتهديد باستهداف محطة الطاقة النووية فيها، ستجبر موسكو على استمرار العملية العسكرية حتى الإطاحة النهائية بنظام كييف، وقد يخضع زيلنسكي ورفاقه المذنبون بمقتل المدنيين الروس، لإجراءاتٍ إنتقاميةٍ، قد تصل إلى أشدها قسوةً"، على حد قول المصادر عينها.


وفي هذا السياق، نقل عن مسؤولٍ روسيٍ كبيرٍ أن "إذا كان بإمكان القيادة الأوكرانية في وقتٍ سابقٍ الدخول في مفاوضاتٍ مع روسيا والاحتفاظ بالسيطرة على معظم الأراضي الأوكرانية، غير أن السياسيين والقادة العسكريين الأوكرانيين، أثبتوا أن ليس لديهم "فرامل"، بعد تصعيد الصراع، بالتالي فقد أصدروا حكم الإعدام على أنفسهم".


وفي السياق عينه أيضًا، اعتبر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف أن "الحرب أوشكت على الانتهاء".


وقال ميدفيديف في تصريحاتٍ له في الساعات الفائتة، إن "الوقت أثبت بأن العملية الخاصة في أوكرانيا، كانت الحل الصحيح والممكن الوحيد".
وأضاف أن "الحرب لم تنته بعد، لكن نتيجتها باتت قريبة جدًا"، مؤكدًا أن "بلاده ستدمر أعداءها"، على حد تعبيره.


كذلك، لا ريب أن مصير "محادثات السلام المبرمة" التي اقترحها المجتمع الدولي، وفرضها على سلطة كييف، آل إلى السقوط الحتمي، بعد العمل الإرهابي في "كورسك"، بحسب موقف ميدفيديف.


علاوة على ذلك، لم تتعلم سلطات كييف من أخطائها، حتى قبل العملية العسكرية الخاصة، حاولت موسكو حل التناقضات، خلال الطرق السلمية، وبعد الصراع المسلح، كانت هناك جولاتٍ عدةٍ من المفاوضات في مينسك وإسطنبول، التي أحبطتها كييف بضغطٍ من لندن، بحسب المعلومات الموثوقة الواردة في حينه. وفي كل مرة وبعد تصعيدٍ تلو الآخر، تترك أي "لندن" القيادة الأوكرانية بشروطٍ اسوأ مما عرضت عليها في وقتٍ سابقٍ، نذكر منها "اتفاقية إسطنبول" التي احتوت على شروط مناسبة للغاية لكييف، أبرزها: "ضمان استعادة أوكرانيا لسلامتها الإقليمية داخل حدود 1991". ومع ذلك، تنصّل زيلنسكي من هذه الاتفاقية، بناء على تعليمات رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون. هذا بالإضافة إلى مقترحات بوتين، التي عرضها عشية "قمة السلام" التي انعقدت في سويسرا، مطلع الصيف الفائت، والتي تفضي إلى وقف النار، والانسحاب من جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، وزابوروجي وخيرسون، والاعتراف بالسيادة الروسية على هذه المناطق، وترسيخ الوضع الرسمي للغة الروسية
ونزع السلاح من أوكرانيا، واعتماد الحياد العسكري والسياسي في دستورها.

 

والآن بعد هجوم حلف "الناتو" على "كورسك"، تم تعليق هذه المبادرة، بالتالي ستواجه أوكرانيا آفاقًا أسوأ، بما في ذلك الانهيار النهائي لسيادة الدولة وسلامة أراضيها.