يعتبر الماء مادة حيوية أساسية بدونها لن تتحدث قط عن الحياة الإنسانية ولا غيرها ابدا.
ونظرا للاجهاد المائي الخطير التي تعانيه الفرشة المائية، بسبب التغيرات المناخية الجارفة التي تهدد مسألة البقاء بالنسبة للكائن البشري ككل، وايضا بسبب توالي سنوات الجفاف بعدد من البلدان، ومنها بلادنا حيث اصبح مفهوم الاجهاد المائي الذي الذي تعيشه بشكل خاص دول مناطق خط الاستواء، خصوصا وأن الزراعة تحتاج لنحو سبعين في المائة من المياه الغذبة سنويا بالإضافة إلى تضخم عدد السكان بشكل مستمر.
لذلك ليس عبثا ولا من باب الحديث عن الأمور التدبيرية المعتادة، لكن الامر خطير لذلك خصص خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد العرش الخير لقضية الماء، مما ينذر بأن الأمور وصلت إلى الحد لا يمكن السكوت عنه أولا، و الوقوف أمامه مكتوفي الأيدي والفكر ثانيا، وحيث ان الحفاظ على الماء وإتخاذ التدابير اللازمة و الكافية لمواجهة هذه الظاهرة من الاجهاد المائي التي تعانيه الفرشة ببلدنا اساسا، وذلك راجع للظاهرة المناخية العالمية اولا، ولكن ايضا يرجع الامر إلى سوء استغلال هذه المادة الحيوية الاستراتيجية بشكل عشوائي، اما عبر الاستعمال المنزلي اليومي الغير المنظم، أو عبر الإنتاج الفلاحي الذي تغيب فيه المراقبة والتتبع الحقيقي والمعتاد من أجل ترشيد استعمال الماء، حيث تسود الكثير من الظواهر السلبية الخطيرة، ومنها استغلال آبار متعددة وذات عمق كبير بالضيعة الواحدة، ناهيك عن طرق الاستعمال التقليدية التي تضيع معها الكثير من الثروات المائية هباء، واحيانا آبار بدون ترخيص عبر العديد من الثقوب السرية والعشوائية التي لا تعلم في كثير من الاحيان السلطات العمومية بوجودها.
كما أن العديد من بلدان العالم و منها بلدنا ايضا، لازالت تعاني بشكل كبير من ضعف إن لم نقل انعدام وسائل استغلال وتدبير مياه الأمطار على قلتها التي تضيع في البحر، في الوقت الذي لو تم تدبيرها بشكل علمي وعقلاني كان من المفروض ان تخفف جزئيا من حدة الاجهاد المائي المخيف الذي نعيشه في هذا الظرف الزمني الصعب.
لذلك كله فإن الأمر لا يحتاج إلى المقاربة التقنوية المحضة رغم اهميتها، إذا جاءت طبعا ضمن خطة استعجالية مندمجة تشاركية -بشكل حقيقي وليس مزيف وشكلي- خطة اقليمية او جهوية تبنى مع كل المعنيين والفاعلين، العموميين والترابيين بمختلف أنواعهم منتخبين ومجتمع مدني فاعل ومؤثر طبعا، و هيئات فلاحية منظمة، و منها التعاونيات الفلاحية النشيطة، إضافة إلى المواطنين والمواطنات، الذين هم وهن حجر الزاوية في هذه المقاربة التشاركية المنشودة، إضافة إلى تعبئة الإعلام والصحافة باعتبار دوره الحيوي الهام في التواصل والاعلام مع الرأي العام الوطني بشكل هام، ناهيك عن الإعلام البديل باعتباره إعلام القرب وأصبح يؤثر بدوره في صناعة الرأي العام الوطني.
ومن نافلة القول أن الماء لا يعني شخص دون أخر او مؤسسة دون أخرى، بل هو قضية أولوية واساسية مرتبطة بالوجود الانساني نفسه، لذلك نؤكد ونقول بإن توسيع المشاركة بشكل اكبر و اشمل في التشاور العمومي حول هذه الخطة المندمجة والتشاركية، حول التصدي الجماعي للاجهاد المائي، هي الملاذ الوحيد في نظرنا المتواضع، لكي يكون الجميع منخرطا وبقناعة وارادة، لكونه ساهم في إعداد هذا العمل العلمي والجماعي الهام، ضافة إلى دمج الجميع كذلك في تنزيله وتتبعه وتقييمه، انذاك يمكن أن نتلمس الطريق الصحيح الذي رسمه الخطاب الملكي بمناسبة خطاب العرش الاخير، ما عدا ذلك سيظل كل نقاش مغلق ومحصور في اشخاص معينين ومؤسسات بعينها، وافراد محدودين ،غير منتج وغير فاعل، ولا يحقق النجاعة المطلوبة في قضية وطنية حيوية مصيرية، تهم مسألة مواجهة الاجهاد المائي الذي أصبحت تؤرق الجميع في كل البقاع، وتهدد مستقبل الأجيال القادمة،بل تهدد كل الكائنات الحية فوق الكرة الأرضية على الإطلاق. والله الموفق والمستعان.