لا يختلف اثنان عن عشوائية الحكومة المغربية في التقدير و التدبير ،فهي لا تقدر الأشياء حق قدرها كما هو معلوم لدى حكومات الدول المتقدمة ،أي الحكومات الديمقراطية المنبثقة عن صناديق الاقتراع التي تنطق بالحق لا بالزور. إن مناسبة هذا التقديم هو ما دأبت عليه حكومة أخنوش من سوء التعاطي مع القضايا الشعبية السياسية الاقتصادية والحقوقية و الاجتماعية منذ توليها تدبير الشأن العام للبلاد. و ما أصبح مخيفا هو أن سوء التدبير وسوء التقدير للشأن العام أصبح لا يزداد إلا سوءا على سوء . فعلى المستوى الحقوقي ، بدل أن تعمل الحكومة على تدبير الشأن الحقوقي لتصبح حقوق الإنسان مترسخة وسط المجتمع في العلاقات و المعاملات و في كل مؤسسات الدولة ؛ التشريعية و الأمنية والقضائية ، و تصبح القاعدة الحقوقية مترسخة حتى يكون الحق مقابل الواجب و ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب .فإنها بدل ذلك اتخذت سبيلا آخر يتعارض مع دستور البلاد ،2011 ، الذي جاء على إثر حركة 20 فبراير المجيدة والذي يقر ب" لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، و يقر بحماية ممتلكاته. و على السلطات العمومية أن تضمن سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع. كانت، خاصة أو عامة. كما لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية." و بوجوب إشراك جمعيات المجتمع المدني حيث جاء فيه "تُؤسس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وتمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون، ولا يمكن حل هذه الجمعيات والمنظمات أو توقيفها من لدن السلطات العمومية إلا بمقتضى مقرر قضائي...". و أعطى دستور 2011 للمجتمع المدني مكانة رائدة حيث ربطه بمسألة الديمقراطية التشاركية، مؤكدا على مسألة الحرية.. حرية التأسيس وحرية ممارسة الأنشطة. كما نص على أن هذه الجمعيات يجب أن تسير نفسها بنفسها بطريقة ديمقراطية. و نص في مواده 12 و 13 على ضرورة مساهمة جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالشأن العام …
إلا أن الحكومة في هذا الباب رجعت بالبلاد إلى أيام الجمر الرصاص حيث لغة الحوار هي القمع و المحاكمات الصورية
و تلفيق التهم و اتباع أسلوب المافيا لتكميم الأفواه.و في آخر صيحة لهذه الحكومة هي المصادقة على مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي جاء لتكميم الأفواه و منع جمعيات حماية المال العام من الترافع في قضايا الفساد ونهب المال العام والرشوة،و هي خطوة تصدت لها الجمعية المغربية لحماية المال العام بتنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان و معها كل المنظمات السياسية التقدمية و جمعيات المجتمع المدني المستقلة ذات الاهتمام المشترك، مساء يوم السبت 11 شتنبر 2024. و هي وقفة بمثابة إدانة لهذا القرار ، لأنه في أبعاده و في عمقه يحمي لوبيات الفساد و الرشوة و لصوص مال الشعب وثرواته الطبيعية البرية والبحرية. كما يحول القضاء إلى الية جامدة لا تتحرك من أجل التصدي للفساد بناء على التبليغ من طرف الأشخاص أو بناء على شكايات الجمعية المغربية لحماية المال العام.وهذا ما يوفر المناخ المناسب لإشاعة الفساد و مظاهره و انعكاساته السلبية على التنمية المستدامة، و يعتبر قرار الحكومة مؤشرا على سوء التقدير لقراراتها التي لها انعكاسات سلبية على تقدم البلاد . أما على المستوى الاجتماعي فإن الحكومة و ما اتخذته من قرارات في شأن كلية الطب و الصيدلة منذ ما يناهز السنة الجامعية تعتبر قرارات غير مدروسة و لا منطقية بل هي قرارات تطبعها العشوائية و تضارب المصالح وعدم تقدير العواقب على المدى القصير و البعيد، لأن الطب و الصيدلة لهما ارتباط جدلي بحياة المجتمع و سلامته و لا يجب أن يخضعا لفشل الحكومة في تدبير القطاع و في الحفاظ على الأطر الصحية و تحفيزها وتشجيعها لتظل مرتبطة بالقطاع العام و بوطنها .أما قطاع التربية و التعليم و التكوين فإنه لا زال بغرفة الإنعاش طمعا في الاستمرار في الحياة لأن الوزارات المتعاقبة لا تريد له أن يعيش ليفسح المجال لتعليم أصحاب الشاكرة، تعليم لا طعم له و لا أرض ولا وطن. لقد كشفت الحقائق بأن الوزارة لا ترغب في الإصلاح الشامل و الجذري للمنظومة التربوية، لأنها تخاف من جيل صاعد إذا توفرت له مدرسة عمومية بالمواصفات التربوية و البيداغوجية المتعارف عليها عالميا،فإنه سيكون المواطن الصالح و الواعي و الواعد والقادر على المساهمة في البناء السليم للمجتمع، وهو ما تخشاه الحكومات المغربية ومنها حكومة أخنوش.
إننا أمام تدبير حكومي مناقض للمصالح الوطنية بل هو تدبير عشوائي، مخرّب ومدمّر للقدرات الوطنية و مكتسباتها، حتى أنه أصبح يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعيين. إننا أمام حكومة تمارس الكذب و تتسبب في الفضائح و في الكوارث الاجتماعية و الإنسانية بشكل ممنهج. لقد ظلت هذه الحكومة بمختلف ألوانها الحزبية ووجوهها الوزارية، تعمل على تضليل الشعب المغربي بكون "التضخم مستورد" وبأن ارتفاع الأسعار يعود إلى أزمة أوكرانيا و مخلفات الجائحة.لكن يخبرنا
أحمد الحليمي بكل صراحة" بأن التضخم محلي وليس مستورد، وأن سببه ضعف الإنتاج الداخلي وليس ارتفاع الطلب، وأن السبب الرئيس للتضخم هو المواد الغذائية الأساسية (إذا كانت نسبة التضخم العام هي 10 في المائة فإن التضخم في المواد الغذائية يبلغ أكثر من 20 في المائة)..." )... لقد اتسع الخرق على الراقع و يجب على الحكومة أن تعترف بأن بلادنا ليست بخير و أنها في انحدار خطير قد يؤدي إلى أزمة اجتماعية خانقة لا تنفع فيها مساحيق و لا أكاذيب.