يونس مجاهد يكتب : "التنظيم الذاتي للأخلاقيات يتكامل مع وظائف القضاء"

بقلم : يونس مجاهد اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أن الحكم الصادر ضد اسبوعية "لوبوان" الفرنسية، لا يتعارض مع حرية التعبير، وأنه من الضروري حماية حقوق وسمعة الغير. جاء هذا الموقف، بعد أن أصدر القضاء الفرنسي حكما ضد هذه الأسبوعية، بناء على شكاية تقدم بها جان فرانسوا كوبي، رئيس حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية، ونائب في البرلمان الفرنسي. وكانت الأسبوعية قد نشرت في حقه اتهامات بكونه سرق ميزانية الحزب، لكن القضاء اعتبر أن العناصر التي استندت عليها "لوبوان" لم تكن كافية لإثبات ادعاءاتها. وقد عالج القضاء الفرنسي خلال سنة 2022، ما مجموعه 4229، من القضايا التي تتعلق بالسب والقذف والتشهير، كما عالج مئات الملفات التي تهم التشهير العنصري وغيرها من الجرائم المسيئة للكرامة الإنسانية. ففي الوقت الذي تسهر فيه البلدان الديمقراطية على صيانة حرية التعبير والصحافة، فإنها لا تتساهل مع كل ما يتعلق بجرائم السب والقذف والتشهير، حيث تصدر سنويا مئات الأحكام، ضد من يرتكب مثل هذه الممارسات المشينة، وفي بعض الأحيان تصل التعويضات التي تحكم بها لإنصاف المتضررين، إلى مبالغ ضخمة، كما هو الحال في بريطانيا، مثلا. ويعتمد القضاء في هذه الدول على قوانين الصحافة والنشر، ولو تعلق الأمر بما ينشر على صفحات التواصل الاجتماعي، لأنه يعتبر أن هذه القوانين تشمل النشر بأية وسيلة كانت. لكن الذي يهم هنا، هو أن مثل هذه الأحكام لا تثير الزوابع، لأن حماية كرامة الغير وسمعته، ضد ما تنشره الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي، يدخل في صميم العدالة والديمقراطية، لأن الكرامة لا يمكن أن تداس باسم حرية التعبير والصحافة، بل على العكس من ذلك، فإن هذه الحرية، وجدت للدفاع عن كرامة الناس وحقهم في ممارسة اختياراتهم وحرياتهم، دون أن الإضرار بحريات الآخرين وكرامتهم، في حدود يضبطها القانون وترسمها الأخلاق. ومن المعلوم أن قواعد حرية التعبير والصحافة، هي الابن الشرعي لمبادئ حقوق الإنسان، التي تعتبرها الإنسانية مكسبا لا يمكن التراجع عنه، رغم العبث الذي يمكن أن يتم باسم هذه الحرية، من طرف أقلية لا تؤمن بها، أو تستغلها كوسيلة للإضرار بالغير، بل هناك من يستعملها أداة للابتزاز والمساومة والإساءة للخصوم. ويمكن للمتتبع للحياة السياسية، في العديد من البلدان، أن ينتبه إلى أن اغلب التيارات التي تلجأ إلى السب والقذف والتشهير، هي تلك التي تنتمي للأحزاب والمجموعات اليمينية المتطرفة والفاشية والشعبوية. وقد أحدثت الهيئات المهنية في الصحافة، مجالس للأخلاقيات، على غرار ما تقوم به مهن أخرى، بل إن الحرف، منذ القدم أنشأت لنفسها تنظيمات أخلاقية ومهنية، تحتكم إليها، غير أن وجود مثل هذه التنظيمات لا يمنع كذلك من اللجوء إلى القضاء، لإن أدوارها تتكامل مع وظائف القضاء في حماية هذه المهن ومصالح الناس وسمعتهم وكرامتهم. وفي الواقع المغربي، يمكننا ان نسجل بكل اعتزاز، أن الجسم الصحافي في اغلبيته ملتزم بقواعد الأخلاقيات، بل إنه ينتفض كلما اعتبر أن هذه الأخلاقيات تداس من طرف اقلية، لا تحترم أي شيء، مثل التنظيم الذاتي للمهنة. وفي حالة لجوء، من اعتبر نفسه متضررا من ممارساتها، إلى القضاء، فإنها تصور الأمر كما لو كان قمعا وتضييقا، في الوقت الذي يعتبر فيه اللجوء إلى القضاء والاحتكام للقانون، في البلدان الديمقراطية، حقا من حقوق الإنسان. وقد ناضلت الهيئات المهنية في الصحافة والمنظمات الحقوقية، لسنوات طويلة، من أجل أن يتبنى المغرب قانونا للصحافة خال من العقوبات السالبة للحرية، وهو ما تمت الاستجابة له، مع بعض الاستثناءات، التي نقلت للقانون الجنائي، والتي ينبغي أيضا مراجعتها، لكن ما نجده هو أن اغلبية الذين يعتبرون اللجوء إلى القضاء ضد ممارسات صحافية، نوعا من القمع والتضييق، لم يتحركوا أو يناضلوا ابدا لإصلاح قانون الصحافة أو غيره.