سعيد سونا

لالة نعيمة ... منذ سماعي الخبر ، وأنا في حادثة سير من الحروف والجمل ، والإرهاق يمزق جسدي المتخن بالأمراض المزمنة ، لكن عزائمي أقسمت ألا أخطأ موعدي مع التاريخ ، وأن أترك لأناملي شرف مشاركة قلبي في هذا العشق التي تتهاوى أمامه القيود، كيف أسكت وأنا أرى ماتبقى من الأنفاس الحرة تتساقط الواحدة تلوى الأخرى ... كيف أسكت وأنا من جعلت من التفاهة خصمي الأبدي؟! ... كيف أسكت وأنا أرى رموز الجدية والالتزام يتهاوون أمام استبشاع لحن التفاهة ، الذي جعل من المحترمين يغلبون منطق العزلة والكرسي الفارغ على منطق المرابطة والكفاح في وجه التافهين .... ؟؟؟ لالة نعيمة ... كنت تبدعين كثيرا وتسكتين كثيرا ، فضلت الخلوة على الجلوة ، وتلك هي خصال النبلاء ، سحنتك أجمل من لون السماء ، وعفتك تحرج صدور الأنقياء ، صحيح قد نتقاسم سحر الصمت ، حين يصير الكلام كنزا ندسه في جراب الكبرياء أقصد كبرياء العظماء .... نعم لالة نعيمة ... أنت ظاهرة فنية وإبداعية وفلسفية مكتملة الأركان ببعد أخلاقي وبمزاج لايدركه النشاز ، كنت عميقة بفنك في زمن الإسفاف والتسطيح ، ضاربة برسوخ في التربة المغربية ، ثرية بقيمك الراقية ،،،، ففنك زاهد ، وتاريخك شاهد ، وصمتك رائد ،،، لم تكن فنانة صدامية ، لذلك اختلف محيطك الفني في كل شيء ، واجتمع على أنك الملاك الذي يعشقه الجميع ... خجولة بحياء مرهف ولذيذ ... طيبة المعشر بقلب ذهبي تحب الخير للجميع ... ومن يجادل في هذا يستحق أن يتنافس على صفعه العاقلون ، لاتغني شذوذا لذلك كنت فنانة للنخبة والقاعدة ، ولجميع تعبيرات المجتمع المغربي، بداية بملوك المغرب الذين عشقوك باحترام ، لوطنيتك الطافحة ، وحرصك الشديد على التقديس والانتصار لتامغرابيت على حساب نجومية التيك توك والثواني والغرامة ، فقد رفضت كل عروض المشرق ، لأنك تدركي أن من غادر داره قل مقداره ... لذلك رحلت شامخة لم تنجح الرياح المؤقتة من اقتلاعك من جذورك المباركة . لالة نعيمة ... ماذا فعلت حتى انحنت لك الأرض ذلولا ؟؟؟ ... صوتك الجهوري المبحوح وصفة طبية لإيقاظ معاني الايمان في صدور اليائسين ، جرحك الذي تغنيت به ، جعلك تقاومين ألمه بعدما أيقنت بصعوبة زرع المحبة في أرض نجحوا في عجن تربتها بماء الكراهية والتفاهة ... لالة نعيمة ... يقول الفيلسوف برغسون " الألفاظ قبور المعاني " ويضيف الأديب ديدرو " أعتقد أن مشاعرنا أوسع من لغتنا " ... ولهذا اكتب هاته المفردات الكاسدة ، وكلي يقين على أنها مجرد نقطة يتيمة تحاول أن تمخر في يمك السرمدي ، عانيتي من فقر الدم لأن الكريم يبدأ رحلة العطاء بتوزيع دمه على من يحب ، فرب مخمصة خير من الدسم . رحلت وليس لديك نظير ، فلم تكوني طبلا أجوفا يردد مايقوله الآخرون ، فيا ليتنا نملك حق التكرار لأيامنا الجميلة ، حين كانت تجتمع العائلة المغربية لمشاهدة دفئ صوتك ، حتى يقيها برودة ليالي الشتاء ... لالة نعيمة ... عشق المغاربة لك صادق في زمن تشابه فيه البقر علينا ، واختفت بساطتك ، في زحمة الذكاء الاصطناعي ، وقنوات التواصل الاجتماعي ... لالة نعيمة ... لست من جيل الميديا ، ليس لديك صفحة في الفايسبوك، ولا في الانستغرام ، ولكن لديك مجلدات في صدور النسخة الرشيدة من المغاربة . كنت سيدة قبلة وصيام وقيام ، وكنت بارة بوالديك ،،، ولهذا لن نقول إلا مايرضي الله " انا لله وانا اليه راجعون " لالة نعيمة ... عشت بصدق واعتزلت الناس ، ورحلت في صمت ، فطوبى لمن قبل عليه المولى عز وجل في هاته الايام من شهر رمضان . نعم اختم مقالي هذا بدموع فوسفورية ، تؤكد مرة أخرى انك الحضور ونحن الغياب ، فلو كان الشكل والجسم أهم من الروح لما كانت الروح تصعد إلى السماء والجسم يدفن تحت التراب ، سأدق آخر مسمار في نعش الليل و أطلب بزوغ الشمس قبل السحر لأمنحك صلواتي ، نعم أنت الحضور ونحن الغياب ، فحتى لو جربنا النسيان ، فالنسيان فيه الكثير من التذكر ... عذرا لالة نعيمة ... لم تخبرينني كيف أنام ، بعدما طوقتينني بحزمة من الأحلام ورحلت ... السيرة الذاتية والابداعية للمرحومة نعيمة سميح : وُلدت المطربة المغربية نعيمة سميح عام 1954، وبدأت مسيرتها الفنية في أوائل سبعينيات القرن الماضي من خلال برنامج "مواهب"، الذي كان يشرف عليه الموسيقار الراحل عبد النبي الجراري. انطلقت في عالم الغناء وهي في الـ16 من عمرها، وخلال مشوارها قدمت مجموعة من الأغاني التي أصبحت علامات بارزة في الموسيقى المغربية، من بينها "ياك آجرحي"، "جاري يا جاري"، "على غفلة"، و"غاب علي الهلال". وتُعد "ياك آجرحي" من أشهر أعمالها، حيث حققت نجاحًا واسعًا وأعاد غناءها العديد من المطربين المغاربة والعرب، مما عزز مكانتها كواحدة من أبرز الأصوات في الأغنية المغربية. خلال مسيرتها الفنية، تعاونت المطربة الراحلة نعيمة سميح مع نخبة من كبار الشعراء، من بينهم علي الحداني وأحمد الطيب العلج، كما لحّن لها عدد من أبرز الموسيقيين المغاربة، مثل عبد القادر الراشدي، عبد القادر وهبي، وأحمد علوي. حظيت بلقب "سيدة الأغنية العصرية في المغرب"، وسُجّل اسمها كأصغر فنانة عربية، وثالث مطربة تؤدي على خشبة مسرح الأولمبيا الشهير في باريس عام 1977، بعد الأسطورتين أم كلثوم وفيروز. تميزت نعيمة سميح بصوتها العذب وإحساسها المرهف، مما أكسبها مكانة مرموقة وشعبية واسعة في العالم العربي. مع تجاوزها سن الستين، ابتعدت نعيمة سميح عن الساحة الغنائية بشكل مفاجئ منذ عام 2007، دون أن تعلن اعتزالها رسميًا. كان آخر ظهور لها في 2016، عندما تم تكريمها خلال مهرجان أصوات نسائية بمدينة تطوان شمالي المغرب. ورغم مكانتها المرموقة وشعبيتها الكبيرة في العالم العربي، التي اكتسبتها بفضل صوتها العذب وإحساسها المرهف، فإنها عانت من المرض لسنوات طويلة. وخلال الأشهر الأخيرة، تدهورت حالتها الصحية، قبل أن ترحل عن عالمنا، تاركة خلفها إرثا كبيرا بقلم سعيد سونا - باحث في الفكر المعاصر