نورالدين بازين فقرة من خطاب الملك محمد السادس: “يستغلون التفويض، الذي يمنحه لهم المواطن لتدبير الشأن العام، في إعطاء الأسبقية لقضاء المصالح الشخصية والحزبية، بدل خدمة المصلحة العامة”.  انتهى كلام الملك. في هذا الخطاب، وجّه الملك محمد السادس انتقاداً مباشراً للمسؤولين المنتخبين الذين ينحرفون عن دورهم الأساسي، مستغلين الثقة الممنوحة لهم من قبل المواطنين لتحقيق مصالحهم الشخصية والحزبية. وعبّر بوضوح عن استيائه من هذا النوع من التلاعب بالمسؤولية العامة، الذي يتناقض مع جوهر النظام الديمقراطي والمبادئ الأساسية للحوكمة. تشكل عبارة “إعطاء الأسبقية لقضاء المصالح الشخصية والحزبية بدل خدمة المصلحة العامة” جوهر رسالة الملك التحذيرية لهؤلاء المسؤولين، فهي ليست مجرد نقد بل دعوة لتصحيح المسار الأخلاقي. إذ إن التفويض الذي يمنحه المواطنون يجب أن يكون وسيلة لتحقيق التنمية وخدمة المصلحة العامة، لا لتحقيق مصالح ضيقة قد تُفقد المواطن ثقته بممثليه وبمؤسساته المنتخبة. خطر انحراف التفويض الديمقراطي يعدّ التفويض الديمقراطي الركيزة الأساسية لأي نظام سياسي يسعى إلى تمثيل الشعب وخدمته، ومنح الشعب صوته للسياسيين هو عقد اجتماعي ضمني يتوقع من خلاله المواطن أن يكون صوته أداة لخدمة الصالح العام وتطوير المجتمع. غير أن انحراف المسؤولين عن هذا الهدف يشكل خيانة لهذا العقد، ويفتح الباب أمام فقدان الثقة في المؤسسات والعملية السياسية برمتها. هنا تأتي دعوة الملك محمد السادس كرسالة لوقف هذا الانحراف ولفت الأنظار إلى ضرورة احترام المبادئ الأساسية التي يقوم عليها العمل العام. الحوكمة الرشيدة: بين الشفافية والنزاهة من الواضح أن الملك يرى في سوء استغلال السلطة مؤشرًا على غياب الشفافية والنزاهة، وهما مبدآن أساسيان في الحوكمة الرشيدة. عندما يسعى المسؤول إلى خدمة مصالحه الخاصة على حساب مصلحة المواطن، فإنه يقوّض الأسس الأخلاقية التي تحكم العمل السياسي، ويضعف من قدرة الحكومة على الاستجابة لتطلعات المجتمع. تتطلب الحوكمة السليمة من القادة السياسيين التركيز على الاستماع لاحتياجات المواطنين وتوجيه الموارد لتحقيق التنمية المستدامة، بعيداً عن الحسابات الحزبية أو الطموحات الشخصية. دعوة لتعزيز الثقة وتصحيح المسار يهدف خطاب الملك هنا إلى حث المسؤولين على مراجعة أولوياتهم وتجديد التزامهم بخدمة الصالح العام. فمن خلال وضع مصالح المواطنين فوق المصالح الشخصية أو الحزبية، يمكن لهؤلاء المسؤولين استعادة ثقة المواطنين والمساهمة في بناء مجتمع قوي يعتمد على القيم المشتركة والمسؤولية المتبادلة. ويُستدل من الخطاب على أن الملك يحمل رؤية واضحة لمغرب قائم على التكافل الاجتماعي والمسؤولية المشتركة، حيث يجب على المسؤولين أن ينأوا بأنفسهم عن أي سلوكيات تهدد استقرار وازدهار المجتمع. نحو مرحلة جديدة من الحوكمة الأخلاقية تعدّ هذه الرسالة الملكية إشارة إلى رغبة الملك في دفع البلاد نحو مرحلة جديدة من الحوكمة، تتسم بالشفافية والنزاهة والاستماع إلى المواطنين. وقد تكون بدايةً لمرحلة تتجه نحو إصلاحات سياسية وإدارية أكثر صرامة، تضع آليات واضحة لمحاسبة المسؤولين الذين يسيئون استخدام سلطاتهم. في النهاية، تمثل هذه الرسالة من خطاب الملك محمد السادس تحذيرًا واضحًا ورسالة قوية للمسؤولين المنتخبين: إما الالتزام بخدمة الوطن والمواطن، أو المخاطرة بفقدان الشرعية الشعبية. وفي ظل هذه الرسالة الملكية، يبقى السؤال المطروح: هل سيتمكن المسؤولون من تصحيح مسارهم وتجديد التزامهم بالصالح العام؟