كنت في شنقيط أمس، لهدفين : 
أولهما أن شنقيط كانت المدينة الوحيدة من مدننا التاريخية الأربع التي لم أزر بعد..
وثانيهما : مشاركة المعهد التربوي الوطني في معرض المنشورات الذي ينظم عادة على هامش المهرجان..
وهناك سبب آخر أهم وهو علاقتي الأبدية بالثقافة والتراث وكل ما يمت للصورة الثقافية للبلد بصلة.. وزاد من ذلك ما يربطني بمهرجان مدائن التراث من وشائج، حيث أشرفت مرات على شقه الثقافي والأدبي..
———
من بين العلامات الثقافية التي كنت أود أن أراها مجسدة مسرحيا أو استعراضيا أو أن تتم الاستفادة من نسيجها 
الاسطوري فنيا، قصة (الشاب الشاطر)التي تناقلتها المصادر الشفوية والمكتوبة لدرجة جعلتها أقرب للأسطورة من الواقع..

فمن هو الشاب الشاطر ؟

من أهم الرجال المذكورين شخصية مشهورة في مدينة شنقيط، كان حيا سنة 1045 هـ.

يقول صاحب الوسيط : إنه وصل إلى شنقيط في القرن الحادي عشر الهجري، وهو من العجائب، وخبره شائع عند أهل شنقيط.

قالوا : ذكر أحد خدام النخل أنه رأى شخصا دخل في عين من عيون النخل، وهي جب ليس بالطويل، يغتسل ليلا، وأنه كلما دخل تضيء بنور كالسراج، وكان ذلك في شدة البرد، ومدينة شنقيط باردة جدا، فأخبر احد العلماء، فأمره بالقبض عليه إذا رآه مرة أخرى، وأن يأتيه به إذا قبضه، فأتاه به، فأراد أن يستنطقه، فلم يفه بكلمة واحدة، وكأن ذلك العالم فهم أنه من أولياء الله، فوضع العالم أصبعه بين شفتيه، فعلم أنه يشير له إلى : (من كتم علما ألجمه الله بلجام من النار)، فقال : دعني وذلك اللجام ثم إنهم وجدوه بحرا لا ساحل له، فانتخب أربعة منهم يعلمهم (...) فأقام فيهم سنة وانتفعوا منه كثيرا، ثم إنه أخذ أحد تلاميذه المذكورين، وبلغه المحيط الأطلنطيقي، فوضع (إلويشه) أي فراشه الذي يجلس عليه على ثبج البحر، وتوارى عنه تتعاطاه الأمواج على جهة قصده. وهذا شائع عند علماء أهل شنقيط، ولولا أنني سمعته من رجال ثقات ما كتبته. والله على كل شيء قدير . وهذا الرجل شريف فاسي.

و يروي أحدهم عن بعض علماء مدينة شنقيط، أن اسم الشاب الشاطر هو (أبو العباس)، وأنهم لا يعرفون أين ذهب، ولكنهم جهزوا له جملا جهازهم المفضل وبالغوا فيه، في جو كئيب، وودعوه بكل أسى، إلا أن الجمل رجع مساء اليوم نفسه، وقد أعياه الهزال، فلم يتعرفوا عليه إلا بالمتاع والقربة الجافة.

ويقولون إنهم وجدوا في المتاع ورقة مكتوبة فيها الأبيات التالية :

رأيت رجالا لم أجد قط مثلهم == بشنقيط سكناهم من أقصى المغارب

كراما عظاما خاشعين لربهم == تحفهم الأنوار من كل جانب

عليهم سلام الله ما دام مجدهم == وما دامت الأفلاك بين الكواكب

وهذه الرواية تستند على بعض المخطوطات، المحفوظة في المكتبات الأهلية، وعلى روايات شفهية متواترة.

وهنا نستحضر أيضا حديث صاحب (فتح الشكور) عن شريف جاء أيضا مدينة ولاتة، وعرف عند ساكنتها بالشريف الشاب، كما اشتهر بالعلم والصلاح.

ولم تسعفنا الروايات الولاتية عن حقيقة هذا الشاب ولا الجهة التي قدم منها، ولم يجد من الذكر مثلما وجد شاب شنقيط.

وتتفق الروايات المغربية والموريتانية على انتماء الشاب الشاطر لمدينة فاس، ففي مقال غير موقع، منشور بمجلة (دعوة الحق) المغربية، تحت عنوان : (أدب المغرب الصحراوي) ما نصه : " رحلة الشاب الشاطري في شنقيط، وهو من علماء القرويين الذين قاموا بمهمة محدودة في الجنوب المغربي، أعاد فيها مراجعة أنظمة التعليم وطرق التبليغ، ثم عاد إلى فاس عن طريق البحر، من الساقية الحمراء" .