بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي الكريم

صاحب الفخامة، رئيس الجمهورية
السيد رئيس الجمعية الوطنية
السيد رئيس المجلس الدستوري
السيد زعيم مؤسسة المعارضة الديمقراطية
السادة الوزراء
السيد الوالي
السيد رئيس المجلس الجهوي
السادة أعضاء السلك الدبلوماسي
السيد الحاكم
السيد العمدة
السادة المنتخبون
أصحاب الفضيلة العلماء  
السادة والسيدات رؤساء الأحزاب السياسية
السادة الأدباء والمثقفون والفنانون
سكان مدينة ولاته الأعزاء
أيها الجمع الكريم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

من دواعي الاعتزازِ أن يلتَئِمَ جَمعُنا، اليومَ، في الدورةِ الثانيةِ عشر من مِهرجان مدائن التراث، لِنَـتَـنـَسمَ عَبَقَ التاريخِ بمدينةِ ولاته المجيدةِ، التي ظَلَت على مَرِّ العُصورِ، مُلتقىً للقوافِلِ ومَوئِلًا للتلاقُحِ الحضاريِّ ومَنَارَةً للإشعاعِ المعرِفِي، مُكتسيةً بذلك رمزِيَةً خاصَةً على صَعيِدِ وعْيِنَا الوَطَني، وعَلامَةً بَارِزَةً في مَسَارِ عَطائِنا الثقافيِّ الفذْ الذي عَمَّ إشعَاعُهُ الآفاقَ بتضحياتِ قوافلِ الحَجِيجِ والدُّعاةِ والتُّجارِ، بعد أن احتضَنتْهُ، في حِلِّهِ وتِرْحالِه، الحَواضِرُ والمحاظِرُ.
لَقد اكتسبت هذه التظاهُرة الثقافية التي تَفْتَتِحونَهَا اليوم، فخامة الرئيس، مشروعِيَّـتَها وتبوأَتْ مكانَتها الفريدةَ في ساحَةِ الفِعلِ الثقافي الوطني بِفضلِ جُهدِهَا المَحمودُ في صونِ الموروثِ الثقافيِّ لهذهِ الحواضر وفي المُحافظة على طابَعِهَا المِعمارِيِّ المُمَيِّز ودَعمِ إنتاجِهَا المَحليِّ وأنشطتِها المُدرة للدخلِ بِخَلقِ فُرصٍ جديدةٍ للعمل.
غَيرَ أَنَّ مِحوريةَ الإنْسانْ، باعتبارهِ أداةَ التَّنميةِ وغَايتَها ورِهَانهَا الأولَ، في رُؤيَتِكُم، فخامة الرئيس، تَجعلُ من هذه التَظاهُرَةَ ومن الفِعلِ الثقافيِّ المُلتزِمِ الواعِي رَأسَ الْحَرْبَةِ في كُلِّ مُنازَلَةٍ وطنيةٍ مع التَّخلُّف وتحدياتِ التنميةِ.
فما من أمةٍ راقيةٍ، في عصرِنا الرَّاهِنِ، اِستطاعَت أن تَخرُجَ من حَمَأَةِ التَّخلُّفِ والفقرِ باستنساخِ التَّجارِبِ التنمويةِ لدى الأُمَمِ الأُخرى ولا باسْتِلهامِ ثقافَاتِها. بل كان استثمارُ الموروثُ الثقافِي، دومًا لدى هذه الأُمم، السَّبيلَ الوحيدَ إلى إِذكاءِ جِذوَةِ الرُّوحِ الوطنيةِ والطٌّموحِ، واستشعارِ العِزةِ والكَرامةِ، ورَفضِ المَنزِلَةِ المعطَاةِ في مُؤخرَةِ الرَكْبِ الحضاريِّ. فالإقلاعُ الحضاريُّ، في جوهَرِهِ حُلمٌ ثقافيٌّ عنيدٌ يَـلُمُّ شَتَاتَ القِيَمِ الحَميدَةَ، ويمنَحُ الطاقاتِ والقُدُراتِ الذاتِيةَ أُفُقًا ومَعنَى.

صاحب الفخامة،

تَتَضافرُ في هذهِ الِاحتفاليةِ جُهودُ سبعةَ عشرَ قِطاعًا وِزاريًا في إِطارِ المُكوِنةِ التنمويةِ التي تسعَى، وِفقًا لِرُؤيتِكُم التِي أَعلنتُموها في مِهرجانِ شنقيط 2019، والتي أَرَادتْ لِهذَا المِهْرجان أَلا يكونَ مُجردَ احتِفاليةٍ موسميةٍ ينتهي أثَرُها مَع آخرِ فَعالياتِها، دونَ تَحسنٍ مستديمٍ في ظُروفِ الحياةِ بهذهِ المُدن المُحتَضِنَةَ للتظاهُرة. وتَجْري في هذا السياقِ مُتَابعةُ هذه المكونةِ التنمويةِ خلال الدوراتِ السابقةِ وتقويمُها المرحَلِيُّ، على أن يُشرَعَ في التقويمِ الشاملِ بعد اكتمالِ هذهِ الدورةِ.
وقد شَمِلت هذه المُكونةُ فَكَّ العُزلةِ عن المدينةِ وتَأهيلَ طُرُقاتِها وممراتِها الداخلية، وتوسيعَ شبكةِ المياهِ والكهرباءِ وحَفرَ الآبارِ وتَجهيزَها، وتعزيزَ شبكةِ الاتصالِ، فضلاً عن ترميمِ العديدِ منَ المُنشآتِ العُموميةِ، والتدخلاتِ الهامةِ في مجالاتِ الشؤونِ الإسلامية والشؤون الاجتماعية والزراعة والصحة والبيطرة.

صاحب الفخامة،

حَرَصَ قِطاعُ الثقافةِ، مِنْ خِلالِ مِهرجاناتهِ الوطنيةِ، أن يُقَدِمَ مُحتوىً ثقافياً وفلكلورياً من كُنُوزِ حضارَتِنَا وثقافَتِنَا الثَرِيَةِ والمُتَنَوِعَةِ؛ فضلا عن العَملِ على ترقيةِ ودعمِ المِهرجاناتِ الخُصوصيةِ، من أجلِ إثراءِ الحِراكِ الثقافيِّ وتَنويعِهِ خِدمةً للموروثِ الوطني. وسنُوَدِّعُ، خلالَ أيامٍ، سنةً احتُفِيَّ فيها بنواكشوط عاصمةً للثقافةِ في العالمِ الإسلامي، وسُجِلت المَحظرةُ على قائِمَةِ التُراثِ الإسلامي؛ مع تصنيفِ ثلاثةَ عشرَ موقِعاً أثرياً وطنياً على نفس القائمةِ.
وفي مجالِ الفنونِ تُوزعُ اليومَ للمرةِ الثانيةِ -على قائمةِ فعالياتِ مدائنِ التراثِ- جائزةٌ فخامة رئيس الجمهورية للفنونِ الجميلةِ؛ والتي ساهمت دونَ شكٍ في تنشيطِ الساحةِ الفنيةِ والرفعِ من مكانةِ الأنماطِ الحديثةِ والدفعِ بإسهامِها في التنميةِ ِالثقافية.
لقد جَنَّدت طواقِمُ القطاعِ من خُبَراءِ وموظفينَ وعُمالٍ كُلَّ طاقاتِهَا من أجلِ أن تكونَ النُّسخةُ الحاليةُ من "مِهرجانِ مدائن التراث" مميزةً ولافتةً في شكلِهَا وفي مضمونِهَا، فَحَرَصَت على استثمارِ كُلِّ الوسائِلِ والطاقاتِ المتاحةِ تحضيرًا وتنظيمًا. وقد شَمِلَت هذهِ النُسخَةُ من المِهرجانِ -شأنُهَا شأنُ سابِقاتِهَا- سِلسِلَةً من الأماسِي الثقافيةِ والأدبيةِ والمديحيةِ (شعريةً وغنائيةً) بكُلِّ لغاتِنا الوطَنيةِ؛ يُنعِشُها عددٌ مِنَ الأُدباءِ والشُعراءِ والفنانينَ والمداحينَ.. إضافةً إلى عُروضٍ مَسرحيةٍ فنيةٍ جادة.. مع حُزمةٍ منَ الفعالياتِ الثقافيةِ والترفيهيةِ، نَأمَلُ أن تُحَقِّـقَ لِضُيوفِ المِهرجان والمُشاركينَ فيهِ كُلَّ ما يصْبونَ إليهِ مِنَ الإفادةِ والإمتاع.
ولَيسَ يَخفى أن هذا المُحتَوى يندَرِجُ – في مُجمَلِهِ - في صميمِ رأسِ المالِ الرَّمزيِّ الذي راكَمَهُ أسلافُنا؛ فالمُوسِيقى ليست ديوانَ أمجادِنا وقيَمِنا ومُثُلِنا فَحسب، بل هي شاهِدٌ بارِزٌ على خُصوصيتِنا الذاتيةِ، وعلى قُدرَةِ أرضِنَا وشَعبِنا على صَهْرِ مُكَوِناتٍ ثقافيةٍ وحضاريةٍ مختلفةٍ في نَسقٍ مُوسيقيٍ عَالِمٍ وطنيٍ متميزٍ لا مثيلَ لهُ في الثقافاتِ التي ألهمَتْهُ ولا في غَيرِها من ثقافاتِ العالمِ.
وما يَصْدُقُ على الموسيقى يَصْدُقُ على الأَدَبِ الذي كانَ دَومًا واحِدًا من أهمِ أجناسِ المعرِفَةِ التي ارتَبَطتْ باسمِ بِلادِنا في الآفاقِ، حتى دَفعتْ بعض إخواننا إلى اعتبارنا بلدَ المليون شاعر.
وما من شكٍ أنَ هذا المِهرجانِ سيكونُ فُرصَةً لإِبرازِ المواهِبِ الفنيَةِ الموريتانيةِ التي ما يَزالُ أصاحبُها يتملَّكونَ ذلك الإحساسَ الفَنيَّ المُرهَفَ وتلك الشاعريةُ التي تسكُنُ وجدانَ مُبدعِينا من مُختَلَفِ الأَجيالِ. فقد عَمِلَ قِطاعُ الثقافةِ، وكُلُّ هياكلِ الوزارةِ، على إِثراءِ برنامَجهِ وتنويعهِ وإشراكِ كُلِّ المُهتمينَ والمَعنِيينَ إبرازًا لتنوُعِنَا الثقافِي والحضارِي الذي هو مَكمَنُ خُصوصيَتَنَا، وإنعاشًا لِفَضائِنا الثقافي.
ولا غرابَةَ إِن تَكَشَّفَ هذا المِهرجان عن تَفَتُقِ مواهِبَ جديدةٍ ، فَهُو جُزْءٌ مِن حَصيلةِ مشروعٍ مجتمعيٍ واعٍ وطموحٍ تَعَهَدَ فيهِ فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني بإعادةِ السفارةِ الثقافيةِ الموريتانيةِ إلى سابِقِ عهدِها؛ إلى حيثُ كانَ اسمُ البَلدِ عُنوانًا للمعرفةِ والثقافةِ والفن.
 
صاحب الفخامة،

تَـتـَزامَنُ احتفاليَـتـُنا هذه مع حِراكٍ وَطني مُتنامٍ لِتَثمينِ الإنجازاتِ التي تَحَقَّقت، في سياقٍ عالميٍ غَيرِ مُواتٍ، على مدى السنواتِ الأخيرةِ، وللمطالبةِ بِما يَقتَضيهِ صَونُ هذهِ المُكتسباتِ، وهي مُناسَبَةٌ للتَنويهِ، مرةً أُخرى، بالاهتمامِ الكبيرِ الذي أوليتُموهُ للثقافةِ وبِقَناعَتِكُم بِأَنَّ التَغييرَ مُرتَبِطٌ بِبِناءِ ثَقافَةٍ قَويمَةٍ تَأخُذُ بِوَعيٍ من إيجابياتِ العَصرِ وتَعْزِلُ بِحِكمَةٍ ما يَحمِلُهُ من مُستجداتٍ مُنافيَةٍ لِدينِنا الإسلامي الحنيف. فمن هذا المُنطلقِ يَكونُ بِمَقدُورِنا السَّيرُ بِخطىً واثِقةٍ في مِضْمارِ التَقَدُمِ والتَّرَقِي في مَدارِجِ الطُّمُوحِ.
أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله