الوئام الوطني : لم تعد حملات التحريض والشحن والكراهية التي تستهدف المهاجرين الأفارقة في موريتانيا مجرد رأي نشاز تبناه البعض واطلعت عليه أقلية وتركته منسابا نحن المجهول، كما هو حال معظم الآراء التي تعج بها صفحات وحسابات التواصل الاجتماعي.
بل إن التحريض ضد هذا الصنف من المهاجرين بات مسألة رأي عام، والأخطر من ذلك أن بعض أجهزة الدولة انساقت خلفه واتخذت إجراءات توقيف مهاجرين تم توثيق بعضها ونشره على نطاق واسع.
المشكلة هنا ليست في قيام السلطات العمومية بتطبيق القانون من خلال منع تواجد الأجانب غير المسجلين على قوائم الأمن والحالة المدنية، سواء تعلق الأمر بمن نالوا وثائق الإقامة أو من هم في انتظار الحصول عليها.. فذلك إجراء سيادي وأمني لا غنى عنه.
لكن المعضلة، التي يخشى أن تجلب ردود فعل غير محسوبة على جالياتنا في بعض الدول الإفريقية جنوب الصحراء، هو ذلك الربط بين حملات التحريض والشحن والكراهية ضد الأجانب، المرفوضة والمدانة، وحملات إنفاذ القانون المرغوبة والمطلوبة.
إن على الدولة أن تنتبه لمصادر الحملات المتواصلة ضد المهاجرين الأفارقة، وهي بلا شك تدرك ذلك أكثر مني، ولكن من باب التذكير فإن عرابي تلك الحملة هم أشخاص، بعضهم في الداخل ومعظمهم في نواكشوط، محسوبون على شخصيات مرموقة تقاعدت منذ فترة ولم تجد نفسها ضمن قوائم المحتفظ بحضورهم انتخابا ولا تعيينا، وقد باتوا يستخدمون المنابر المختلفة للطعن في أهلية النظام القائم، ويحذرون مما يصفونه بالكوارث التي ستحل بالبلد.. بل إن بعضهم وضع جدولا زمنيا محددا لانفجار الأوضاع.
وهنالك طرف آخر تلقف الحملات ضد المهاجرين الأفارقة وروج لها على أكثر من صعيد، باعتبارها فشلا للنظام، وتحد ما كان له أن يطرح لو كان الرئيس السابق في سدة الحكم، كما يقولون.
أما الطرف الثالث المحرض على إخوتنا الأفارقة فهم غوغاء وسائل التواصل الاجتماعي ممن لا أجندة لهم سوى حصد المزيد من الإعجابات والمتابعات، وهم السواد الأعظم ممن يتولى كبر دق طبول الحرب ضد المهاجرين الأفارقة تحديدا.
إن مجاراة هذه الأطراف الثلاثة، ولو بمحض الصدفة، ستتم قراءته من أنظمة وشعوب الجوار الإفريقي الجنوبي بأنه رعاية رسمية لكراهية أبنائهم والتحريض ضدهم وتعريضهم للمخاطر، أو على الأقل، وضع العراقيل أمام تحقيق حلمهم بالهجرة إلى أوروبا أو العمل في موريتانيا.
قراءة من هذا القبيل ستشكل خطرا يصعب تصور نتائجه الوخيمة على جالياتنا في تلك الدول، والتي تقدر بمئات الآلاف، والتي تنعش اقتصاد البلد من خلال التشغيل والاستثمار والتحويلات النقدية المعتبرة، فضلا عن الاحترام والأمن اللذين يحظى بهما أفراد تلك الجاليات في بلدان إقامتهم الإفريقية.
إن عملية فك الارتباط بين حملات الدولة لتطبيق القانون وحملات التحريض والشحن والكراهية ضد المهاجرين الأفارقة، في توقيتهما الزمني، يجب تبدأ فورا ودونما تأخير، وهو أمر يجب أن يتشارك رفضه والتحذير منه ومن تداعياته الكارثية الرسميون والسياسيون وأصحاب الرأي من إعلاميين وغيرهم، وعلى الدبلوماسية الموريتانية أن تواصل جهدها المقدر مع منحها الوقت الكافي لإقناع الحكومات والشعوب المعنية بالمهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا أرض الوطن بالفعل أن ما يشهده الفضاء الأزرق من دعوات عنصرية وانطوائية معزول عن الواقع، وأن موريتانيا ترحب بأي مواطن إفريقي دخل بشكل رسمي وتقدم لدى السلطات للحصول على وثائق الإقامة مع التأكيد على ضرورة تجديدها كلما شارفت مدة صلاحيتها على الانتهاء.
إن على الدولة أن تفرض، وتوصل للرأي العام محليا وفي دول الجوار، خطابا واضحا لا لبس فيه، يرحب بإخوتنا الأفارقة ويدعوهم لاحترام القانون الموريتاني، وأن يتم إبعاد حملات إنفاذ القانون عن الاستغلال الاعلامي، وعن التوظيف الرخيص لتلك الحملات من طرف أصحاب الأجندات الخاصة التي تسعى لزعزعة النظام واستقرار البلد بأي ثمن كان، بعيدا عن المسؤوليات الدينية والوطنية والأخلاقية.
إسماعيل الرباني
المدير الناشر لوكالة الوئام الوطني للأنباء