بيـــــــــــــان

على مدى الأيام القليلة الماضية، انشغل قطاع واسع من الرأي العام الموريتاني بنقاش حول موضوع بالغ الأهمية والتعقيد هو موضوع الهجرة.

إن آراء بعض المساهمين في هذا النقاش، الذين غالبا ما يسيئون، من خلال تعليقاتهم وتحليلاتهم، فهم تعقيدات البعد الإنساني الكامن وراء هذه الظاهرة، تعكس أحيانا، وللأسف، دوافع لا تخلو من نيات مبيتة.

وفي هذا السياق، لوحظ تداول كمٍّ كبير من المعلومات، هنا وهنالك، تداخلت فيها المغالطات واللبس مع التهويل والتضليل والمزايدات.

إن الأوساط التي انخرطت في ترويج هذه المعلومات تخلط بين ثلاثة مظاهر للهجرة، تختلف من حيث التصنيف والوضع القانوني، سواءً من حيث النظم المعمول بها أو من حيث المبادئ والممارسات التي تنطبق على كل حالة من الحالات الثلاث.

وفي هذا السياق، وإدراكا منها بأهمية الحوار، تود وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والموريتانيين في الخارج أن توضح النقاط التالية:

يوجد في موريتانيا ثلاثة أنواع من الهجرة، معظمها مصدره دول الجوار:

• هجرة نظامية؛

• هجرة اللاجئين؛

• هجرة غير نظامية.

وموريتانيا تستقبل حاليا مواطنين من البلدان المجاورة في الشمال والجنوب، بعضهم لاجئون والبعض الآخر مهاجرون تقليديون. ويخضع وضع هاتين الفئتين من الرعايا للوائح ثنائية و/أو دولية.

ويُعتبر هؤلاء، كلٌّ بحسب وضعه القانوني، مقيمين نظاميين، يتمتعون ــــ استنادًا إلى تصاريح الإقامة التي بحوزتهم ــــ بكامل الحقوق في وطنهم الثاني، موريتانيا.

ومن الجدير بالتذكير هنا ، أن بلادنا تتقاسم مع الدول المجاورة شمالًا وجنوبًا، بيئة جغرافية واحدة ظلت عبر العصور والأجيال فضاءً لحركة سكانية من بلد لآخر، لم تنقطع أبدا؛ هذا وإن دولنا ترتبط، فضلا عن هذا الفضاء الجغرافي المشترك، بوشائج الدم، ومرجعيات تاريخية مشتركة، وثقافات تعددية نسجت عراها قيم الإسلام السني المعتدل والمتسامح.

وقد دأبت موريتانيا، انطلاقًا من وعيها العميق بهذا الإرث التاريخي والثقافي والديني والاجتماعي، ودون كلل، ورغم التحديات، على صون وترسيخ وتعزيز أواصر الصداقة والأخوة وحسن الجوار.

بيد أن مسألة الهجرة غير النظامية تمثل ظاهرة معاصرة، قد تهدد، في حال عدم ضبطها، مناخ الضيافة والطمأنينة المتبادل بين شعوب دول يجمعها تاريخ مشترك يسمو على الاعتبارات الجغرافية.

وقد اتخذت هذه الظاهرة اليوم أبعادًا لا تخدم لا بلد العبور، ولا بلد المقصد النهائي، ولا حتى بلد المصدر. فهي، في كثير من الأحيان، تنطوي على تحديات أمنية خفية، وتسهل مختلف أشكال الاتجار، بما في ذلك الاتجار بالبشر. كما أنها تؤثر على سلاسة الهجرة النظامية نفسها وتعقدها.

ومن هذا المنطلق، فإن بلادنا لم تتوان يوما عن العمل المشترك مع البلدان المجاورة، لضمان استمرار تنقل سكاننا من بلد إلى آخر، في مناخ من الأخوة والضيافة المتبادلة لم يعتره أبدا أي تغيير.

وفي هذا السياق، بذلت موريتانيا جهوداً كبيرة لتمكين مواطني غرب أفريقيا، على سبيل المثال، من تسوية أوضاع إقامتهم من خلال الحصول على تصاريح إقامة بموجب إجراءات مبسطة. ومن المؤسف للغاية أن عددا كبيرًا من المهاجرين لم يلتزموا دائما بالتجديد السنوي لبطاقات إقامتهم، مما يعرضهم، بحكم الأمر الواقع، إلى وضع غير قانوني.

وإن موريتانيا، لتؤكد، إلى جانب الدول الشقيقة، التزامها الثابت بتشجيع الهجرة النظامية الآمنة والمنظمة، كما تجدد عزمها الراسخ على مكافحة تدفقات الهجرة غير النظامية، والتصدي، دون أي تساهل، للشبكات المرتبطة بها.

وتظل موريتانيا، كما كانت دائمًا، أرض استقبال للمقيمين الأجانب في وضع قانوني سليم، لا سيما أولئك القادمين من الدول المجاورة. وهو مبدأ راسخ لا يتزعزع، لأن جذوره ضاربة في إرث مشترك قائم على التلاحم والتبادل.

نواكشوط، بتاريخ 09 مارس 2025

وزارة الشؤون الخارجية والتعاون