لم تكن موريتانيا بدعا من دول شمال القارة الإفريقية التي باتت الوجهة الأولى كمحطات عبور نحو ما يعتبره المهاجرون الأفارقة "الفردوس الأوروبي".

فبفضل موقعها الاستراتيجي المميز، وشاطئها الأطلسي الطويل، وفرص العمل الكثيرة التي تؤمن للمهاجرين رصيدا ماديا يغطي تكاليف الهجرة بما فيها العمولات الخاصة بالمهربين، يقبل الأفارقة على موريتانيا بشكل لافت.

وبفعل سياسة احتضان شعوب القارة التي تنتهجها الحكومة بشكل مبدئي، بسبب النزاعات المسلحة والأزمات الاقتصادية في بعض البلدان، وجدت الشعوب السمراء في موريتانيا ما يشجعها على التوافد لما تعتبره وطنها الثاني.

غير أن الحكومة رصدت مؤخرا موجة غير مسبوقة من المهاجرين غير النظاميين واللاجئين الأفارقة، في مشهد يخرق القانون ويهدد الأمن، وهو أمر غير مبرر نظرا لوجود بدائل قانونية متاحة لكل داخل عبر المعابر مع دول الجوار، وسهولة الحصول على وثائق الإقامة.

لقد باتت القضية ملفتة للانتباه، ومدعاة لاتخاذ الحيطة والحذر، خاصة مع رصد شبكات لتهريب المهاجرين نحو موريتانيا، تم ضبط بعضها ووضع بعضها الآخر تحت المراقبة.

ونظرا لخطورة الوضع، الذي بات يتطلب تدخلا عاجلا متكئا على نصوص قانونية صارمة، سنت السلطات الموريتانية قانونا جديدا، دخل حيز التنفيذ منتصف نوفمبر الماضي، وهو قانون خاص بالهجرة، حيث تأمل السلطات في أن يسهم في كبح اندفاع المهاجرين غير النظاميين، خاصة وأنه تضمن حزمة من العقوبات الزجرية من بينها السجن ودفع غرامات مالية.

القانون الجديد، الذي نشر في الجريدة الرسمية، يفرض عقوبة السجن من شهرين إلى 5 أشهر، وعقوبات مالية على كل “من دخل التراب الوطني دون المرور بأحد المعابر الرسمية المحددة من طرف السلطات المختصة،” أو من “أقام في البلاد بطريقة مخالفة لأحكام أنظمة الهجرة.”

وبحسب قانون الهجرة الجديد، ستطال العقوبات أيضا كل من قدم العون والمساعدة لأي شخص بغرض الدخول أو الإقامة في البلد بطريقة غير نظامية، مع علمه بذلك، وكذلك كل من لم يلتزم بالمتطلبات الصحية المنصوص عليها في الترتيبات الجاري بها العمل، إضافة إلى الأجانب الذين خالفوا منع الدخول أو الإقامة في مناطق معينة أو أماكن محددة، أو الحكم بالإبعاد من نفس المناطق أو الأماكن، دون الإخلال بإجراءات الطرد التي يجوز اتخاذها ضد أي أجنبي من المحتمل أن يؤدي وجوده أو نشاطه إلى الإخلال بالنظام العام.

وتنص المادة الثالثة من القانون على السجن من 5 أشهر إلى سنتين لكل من يستخدم وثائق ثبت أنها مزورة أو مزيفة، أو حصل على هذه الوثائق بهوية مزورة، أو باستخدام بيانات حالة مدنية مزورة وكل من قام بتزوير تأشيرة قنصلية.

ورغم التصاعد المستمر لأعداد المهاجرين غير النظاميين خلال العام المنصرم، إلا أن طريقة تعامل المصالح الحكومية المكلفة بحماية الحدود، أثبتت نجاعتها خلال الأسابيع الأخيرة، وهو ما تسبب في الإطاحة بالعديد من شبكات تهريب البشر.

صحيح أن حملة الدولة لإنفاذ القانون قد تعرضت للتشويش من قبل بعض الناشطين في شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال تعالي صيحات حملات التحريض والشحن والكراهية التي تستهدف المهاجرين الأفارقة، وهو ما قد يؤثر سلبا على جالياتنا في بعض الدول الافريقية، لكن الدولة لم ترضخ لتلك الضغوط، فلم تتخلل عن واجبها في حماية البلد وتطبيق قوانينه، ولم تساير تلك الحملة الظالمة التي تريد زرع الفوبيا من إخوتنا الأفارقة، فكانت وزارة الخارجية على مستوى التحدي عندما تواصلت مع حكومات دول المنبع لتبلغهم بأن ذراع موريتانيا مفتوحة أمام مواطني تلك الدولة، لكن بشرط الدخول عبر المعابر الحدودية المحددة سلفا، والتقيد بقوانين البلد، في حين تضع الأجهزة الأمنية التابعة لوزارتي الداخلية والدفاع يدها على المخالفين والمهربين، تطبيقا للقانون وحماية للبلد.

لذلك، فلا داعي للقلق، لأن الوطن في أياد أمينة لن تسلمه لأي خطر مهما كان.