بدأ اليمين الاسرائيلي المتطرف في التصعيد منذ اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الامريكية ووصول
ترمب الى سدة الحكم رئيسا للولايات المتحدة حيث اطلق وزير المالية الاسرائيلي سموتريتش
مشروعه الجديد الذي انطلق من عقائده التلمودية بالدعوة الى ضم الضفة الغربية تحت غطاء الرئيس
الامريكي الفائز في الانتخابات الامريكية ترامب.
وانشغلت وسائل الاعلام على مختلف انواعها ومسمياتها في الايام القليلة الماضية بمشروع
سموتريتش وتناولت الكثير من الفضائيات تحليلات عميقة لهذا الحدث وتداعياته ونتائجه على
المنطقة وعلى واقع الصراع اولا وعلى صعيد العلاقات الدولية والإقليمية. وكانت اسرائيل قد اعلنت
حربها على قطاع غزه بعد احداث السابع من اكتوبر من العام الماضي وتحت مبررات تصفية حماس
وذراعها العسكري ولكن الحدث تجاوز في صيرورته ومفاهيمه كافة الاعراف والمواثيق الدولية
والقوانين الدولية وقرارات الشرعية الدولية وحقوق الانسان لما ارتكبته اسرائيل من مجازر بحق
الشعب الفلسطيني وما تعرض له هذا الشعب من ابادة جماعية وترحيل وتهجير قسري وإتباع سياسة
الارض المحروقة بتدمير كافة المباني والممتلكات والمستشفيات والمؤسسات الاخرى وتقطيع اوصال
غزه الى محاور عدة وتحويها الى قواعد عسكرية لسهولة السيطرة عليها. وتزامنت احداث غزه مع
احداث اخرى شهدتها شمال الضفة الغربية حيث ارتكب الجيش الاسرائيلي هناك مجازر عدة وتدمير
الممتلكات وهدم البيوت وتجريف الشوارع.
التصريحات الصادرة عن طاقم الرئيس المنتخب دونالد ترامب يمكن ان نعتبرها متناقضة ففي الوقت
الذي صدرت فيه تصريحات عن المرشح لمنصب السفير الأمريكي في إسرائيل مايك هاكابي إن الإدارة
القادمة قد تدعم ضم الضفة الغربية نقلت القناة 12 الاسرائيلية عن مسئول امريكي اخر تأكيده بعدم
وجود أي نقاش حول قضية فرض السيادة على الضفة الغربية وبأنها ليست على جدول الاعمال
اطلاقا.
ايا كانت الاحتمالات المطروحة فان أي خطوة يمكن ان تترك اثراً على عناصر الصراع الفلسطيني
الاسرائيلي ولصالح اسرائيل بشكل خاص وعلى الاوضاع السياسة الاقليمية بشكل عام تفرضها
اعتبارات عدة في مفاهيم وحسابات العلاقات الدولية.لا شك ان القانون الدولي يحكم مسارات السياسة
الدولية بمفهومه العام لكن هناك تجاوزات كثيرة تشكل اختراقا واضحا للقوانين الدولية حيث تبرز
موازين القوى والمعادلات الدولية وطبيعة وصيغة التحالفات والتكتلات الاقليمية والدولية وما تفرزه
من تحولات وتغيرات في المعادلة الدولية والإقليمية ايضا وأخيرا لغة المصالح التي تبقى المعيار الاهم
في التفاعلات السياسية الدولية وهذا يقودنا الى حقيقة واضحة تماما بأن الولايات المتحدة لها مصالح
كثيرة في منطقة الشرق الاوسط وتشكل اسرائيل احد المصالح الكبرى للولايات المتحدة لكن على
الجانب الاخر من هذه المنطقة فان لها الكثير من المصالح وتحديدا في منطقة الخليج حيث النفط
والغاز والمصالح الاخرى التي تتعلق بالممرات المائية في قناة السويس والبحر الاحمر وباب المندب
والتي تعتبر احد شرايين الحياة للولايات المتحدة وبقية دول العالم هذا اذا ما اخذنا بعين الاعتبار
وجود مصالح اخرى بضرورة العمل على استقرار هذه المنطقة من منطلق حرص الولايات المتحدة
على مصالحها بعدما افرزت معطيات السابع من اكتوبر ظهور قوى اقليمية تمكنت من ايقاع الضرر
بالمصالح الامريكية والأوروبية عندما تم مهاجمة السفن التي تحمل البضائع في البحر الاحمر مما

شكل ضربا لاقتصاد هذه البلدان وانطلاقا من ذلك على الولايات المتحدة ان تحافظ على التوازنات بين
اقطاب الصراع وان تعمل على استقرار هذه المنطقة حفاظا على مصالحها. وبالعودة الى الحرب التي
تشنها اسرائيل على الشعب الفلسطيني نجد ان عدم الاستقرار هو الذي اشعل فتيل هذه الحرب ويبقى
العنوان الابرز في تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة هو حصول الفلسطينيين على حقوقهم وحقهم في
اقامة دولتهم بحدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ضم الضفة الغربية يعتبر بمثابة تحدي للمجتمع الدولي والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية
وعلى الولايات المتحدة اخذ ذلك في الحسبان قبل اقدامها على مثل هذه الخطوة ان صحت التقارير
الواردة وأعطت الضوء الاخضر لاسرائيل لعملية الضم فان ذلك يعتبر بمثابة انتحار سياسي بل وعلى
النقيض من ذلك وحفاظا على مصالحها ليس المطلوب منها مراقبة المشهد من بعيد بل عليها كبح
جماح اسرائيل وتحذير اسرائيل من الاقدام على مثل هذه الخطوة لما لها من اثار ونتائج كارثية لان
ذلك سيؤدي الى انفجار شامل في المنطقة ومن المحيط الى الخليج ويفتح ابواب الجحيم على اسرائيل
فالمعادلات تتبدل وتتغير وفق المعطيات السياسية.فقد ابرزت احداث السابع من اكتوبر بكل معطياتها
تحولات كبيرة على الكثير من البنى الفكرية والاجتماعية وأحدثت حالة من النضج الوطني والفكري
والأيديولوجي وتحديدا لدى فئة الشباب في مقتبل العمر والذين انخرطوا في مجموعات مسلحة دون
فهمهم الايديولوجي ولكن كان بدافع مقاومة القهر والعدوان.
ولم تقتصر ردود الفعل على الجرائم الاسرائيلية محليا وعربيا بل امتد صداها ليشعل اوروبا عندما تم
استهداف لاعبي احد الفرق الاسرائيلية في هولندا وهذه اشارة اخرى الى لان عدم الاستقرار سيمتد
الى مناطق متفرقة كثير ة من العالم وتحديدا في الساحة الاوروبية كما حدث بالأمس في فرنسا عندما
تم تجنيد اربعة آلاف شرطي فرنسي لقمع أي احتجاجات ضد اسرائيل وتوفير الحماية للمنتخب
الاسرائيلي الذي خاض مباراة مع المنتخب الفرنسي وكانت النتيجة ان الجمهور الفرنسي قاطع مباراة
المنتخب الاسرائيلي ونظم مظاهرات خارج الملعب احتجاجا على الابادة الجماعية التي تمارس ضد
الشعب الفلسطيني.
حقبة الرئيس الامريكي ترامب الثانية في حكمه لن تكون ذات اختلافات كثيرة عن حقبته الاولى التي
اعترف فيها بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل وتم نقل السفارة الامريكية اليها وجاء بصفقة القرن
التي تم افشالها لكن الذي اختلف هو الصحوة العربية على المستوى الرسمي والشعبي فترامب يريد
استكمال عملية التطبيع السعودي الاسرائيلي لكن بالتأكيد ان الجواب وصل الى مسامعه وتردد صداه
في اروقة السياسة الامريكية خلال الاربعة سنوات الماضية وعلى لسان المسئولين السعوديين بان
ثمن التطبيع هو اقامة الدولة الفلسطينية وعلى ترامب قبل التوجه الى السعودية عليه ان يحمل في
حقيبته مشروع اقامة الدولة الفلسطينية ضمن حل الدولتين.