الداخل المحتل / PNN - تؤكد بروتوكولات الحكومات الإسرائيلية، المحفوظة في أرشيف الدولة، أن العقلية العدوانية ضد الفلسطينيين وتهجيرهم من وطنهم لم تتوقف منذ نكبة العام 1948، وأنه جرت مناقشة خطط لتنفيذ ترانسفير، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وخاصة في قطاع غزة، وهي مشابهة لخطط الترانسفير التي تتحدث عنها حكومة اليمين الإسرائيلية الحالية.

وشملت المداولات حول تهجير سكان قطاع غزة التي أجرتها الحكومات الإسرائيلية في الستينيات والسبعينيات مصطلحات مثل؛ "تقليص عدد السكان"، و"إخلاء بيوت"، و"نقل"، و"طرد"، و"نفي"، و"إفراغ" وكذلك "ترانسفير".

كان عدد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967 حوالي مليون نسمة، بينهم 400 ألف تقريبا في قطاع غزة. وتحدث رؤساء حكومات ووزراء إسرائيليون حينها عن تهجير الفلسطينيين في غزة عنوة وطواعية وبالاحتيال وبأي محفزات، إلى الضفة الغربية والأردن وسيناء، المحتلة في حينه، ودول عربية، أو إلى أي مكان في العالم يوافق على استقبالهم، وفق تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" اليوم، الثلاثاء.

وقال وزير الجيش في حينه، موشيه ديّان، في 25 تموز/ يوليو العام 1967، إنه "إذا أخلينا من قطاع غزة 300 ألف لاجئ إلى أماكن أخرى، سنتمكن من ضم غزة بدون مشكلة".

بدوره، قال رئيس الحكومة حينها، ليفي أشكول: "أقترح صيغة لضمّ القدس وقطاع غزة، ونحن مستعدون أن نُقتل من أجل القدس، وبالنسبة لقطاع غزة، فإنه عندما نتذكر وجود 400 ألف عربي، تكون هناك بعض المرارة في القلب".

واعتبر وزير الداخلية، حاييم موشيه شابيرا، في المداولات نفسها، أنه "لو كان بالإمكان نقل 200 ألف من اللاجئين إلى العريش أو توطين قسم في الضفة الغربية"، بينما اقترح وزير الشرطة، إلياهو ساسون، "نقلهم إلى الضفة الشرقية". وقال الوزير يوسف سبّير، إنه "ينبغي أخذهم من أعناقهم وإلقاؤهم (خارج القطاع)، ولا أعلم من سيستقبلهم، وخاصة لاجئي غزة".

وقال الوزير يغآل ألون إنه "أؤيد تشجيع الهجرة إلى ما وراء البحار. وينبغي الاعتناء بهذا الأمر بجدية بالغة. وإلى جميع أنحاء سيناء، وليس العريش فقط، ما يسمح بتوطين جميع لاجئي غزة، وبرأيي لا ينبغي الانتظار. وينبغي البدء بالتوطين، حتى لو اعترضوا"، ثم اقترح تهجير قسم من الفلسطينيين إلى كندا وأستراليا.

وختم أشكول النقاش: "لقد قلت هذا عندما لم تكن المشكلة شديدة إلى هذه الدرجة أيضا، إنه يتعين على اللاجئين أن يتدبروا أمرهم خارج إسرائيل".

وتساءل وزير القضاء حينها، يعقوب شمشون شابيرا، خلال مداولات في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر العام 1967، "متى سنحصل على معلومة ما في ما يتعلق بتوطين اللاجئين من القطاع في الضفة؟ فقد وصلتني شائعات"، في إشارة إلى تشكيل أشكول "اللجنة لتطوير المناطق المدارة"، ومهمتها فحص "الجانب الاقتصادي والاجتماعي لكل هذه الإمبراطورية أو أجزاء الإمبراطورية"، وبضمن ذلك "طرح أفكار حول هجرة (الغزيين)".

وأوصى أعضاء هذه اللجنة "بتجنيد اللاجئين إلى هذا المشروع الذي هدفه السياسي مقبول"، واستعراض ذلك على أنه "حملات إنسانية" وليس أنه "جزء من حل عالمي لقضية اللاجئين".

وخلال مداولات جرت في تشرين الثاني/ نوفمبر العام 1967، قال ديّان إن "موضوع الهجرة كله بحاجة إلى اعتناء جدي وحثيث أكثر، ولذلك بالإمكان التشجيع والسماح للكثيرين بالمغادرة".

وأضاف أشكول أنه "في هذه الأثناء يخرج 2000 شخص لمدة أسبوع إلى الأردن وقسم كبير من القطاع. وتوجد أفكار عدة بشأن هجرتهم إلى دول أبعد".

وفي نهاية العام نفسه، تحدث ديان عن اتفاق سلام وبضمنه "توطين اللاجئين، إخراجهم من غزة وتوطينهم في شرقي الأردن. ولن يكون 400 ألف عربي في غزة، وإنما 70 أو 100 ألف".

ويتبين أن المداولات بشأن تهجير سكان غزة كانت تستحوذ على أجندة الحكومة الإسرائيلية، إذ قال أشكول غداة أقوال ديان: "نحن معنيون بأن نفرغ غزة بداية. ولذلك سنسمح لعرب غزة بالخروج أولا"، فيما اعتبر يغآل ألون أنه بالإمكان توسيع مخطط الترانسفير، وقال إنه "لن يكون سيئا أبدا تقليص عدد العرب في الجليل أيضا".

وتحدّث ساسون عن إمكانية "مساعدة" الفلسطينيين عموما في الخروج إلى دول أخرى من أجل العمل، "وبعد ذلك ينقلون عائلتهم كلها إلى هناك. وسنربح من هذا الأمر بواسطة تقليص عدد العرب في هذه المناطق".

ووافق ديان على هذا المخطط، وأضاف أنه "بواسطة منح الإمكانية لهؤلاء العرب بالبحث والعثور على عمل لهم في دول أجنبية، يزيد الاحتمال أن يرغبوا بالهجرة لاحقا إلى تلك الدول".

وكرّر ألون القول: "لماذا لا يمكن توسيع ذلك إلى عرب إسرائيل؟"، أي المواطنين العرب في أراضي الـ48.

وقال أشكول للوزراء، في اليوم الأخير من العام 1967، إنه "أعمل على إقامة وحدة أو خلية تعمل على تشجيع هجرة العرب من هنا"، وأضاف أنه "يجب الاعتناء بهذا الموضوع بهدوء وسكينة وسريّة، ويجب العمل على البحث عن طريق لهجرتهم إلى دول أخرى، وليس إلى شرقي الأردن فقط".

وتشير وثائق البروتوكولات إلى أن هذه المداولات خرجت إلى حيز التنفيذ من خلال مبادرات "تشجيع" هجرة الفلسطينيين من غزة، وقادت إحدى هذه المبادرات المسؤولة في الموساد، عيدا سارني. وتشير وثيقة، في أيار/ مايو 1968، إلى الموافقة على طلب سارني الحصول على ميزانية شهرية من أجل "تشجيع الهجرة من قطاع غزة وتنفيذها بموجب تعليمات السيدة عيدا سارني"، بهدف تنفيذ "هجرة صامتة"، ومنع ظهور ضلوع إسرائيل في ذلك.

وفي هذا الإطار، تم إرسال إسرائيليين لديهم خبرة أمنية، وكانوا يعرفون المجتمع العربي، إلى التجمعات السكانية في غزة، من أجل إقناع زعمائها بتشجيع "مغادرة طوعية".

وقال أشكول، في نهاية العام 1968، إنه "بسبب الاختناق والحصار هناك، ربما يتحرك العرب من القطاع، لكن حتى بعد ذلك سيبقى لدينا هنا (في أراضي الـ48) حوالي 400 ألف عربي، إضافة إلى 150 ألفا سيبقون في غزة".

وأشار أشكول إلى حلّ آخر جديد: "من الجائز أنه إذا لم نوفر لهم الماء بشكل كاف، لن يكون أمامهم مفر لأن البيارات ستصفرّ وتذبل. لكن لا يمكن معرفة ذلك مسبقا. ومن يعلم، ربما تنتظرنا حرب أخرى، وعندها ستُحل هذه المشكلة، لكن هذا نوع من الحل الفاخر وغير المتوقع".

في شباط/ فبراير العام 1968، قدّم وزير الأديان، زيراح فرهابتيغ، اقتراحا وقال إن "المسألة الأساسية ينبغي أن تكون منحنا لهم إمكانية بالخروج من قطاع غزة مع مبلغ من المال، وينبغي أن نسمح لهم ببيع أملاكهم التي لا تساوي الكثير، ولكن بحيث نستثمر فيها مالنا. وإذا دفعنا لهم مقابل كشك ألف دولار شرط أن يغادروا مع عائلاتهم إلى البرازيل أو الأرجنتين، فإنني أرى بذلك أهمية كبيرة. وإذا كان بإمكاننا، سنحرك بهذه الطريقة عشرة آلاف عائلة إلى مغادرة غزة".

في العام 1969 مات أشكول، وخلفته في المنصب غولدا مئير. وقال ديان، في العام 1970، إنه "إذا توجهنا لتنفيذ خطة (تهجير) 20 ألفا، فإننا نعلن بهذه الطريقة عن ترانسفير. وبذلك سنفسد الأمر كلّه. وإذا طلبوا مساعدتنا، فليتفضلوا. وستكون هذه عملية بطيئة وطبيعية، وسيفعل العرب ذلك من خلال التسلل. وأي شيء علني سينفذ سيفشل نفسه".

وتطرقت مئير لاحقا إلى ذلك، قائلة إنه "توجد مسألة تقليص المخيمات. ولا نقاش حول المبدأ". وتحدث ديان عن طريقة طرد سكان غزة، وأنه "نمنحهم 48 ساعة كي ينتقلوا. ونقول لهم، على سبيل المثال، أنتم تنتقلون إلى العريش أو مكان آخر، وسننقلكم. بداية سنسمح لهم بالانتقال طواعية. ونخرج أثاثهم من البيت. وإذا لم يأتي الرجل لتنظيم أموره، سنحضر جرافة لنهدم البيت".

وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، حاييم بار ليف، "إنني مقتنع بأنه لا مانع من إقامة بلدات عبرية أخرى في القطاع". وأضاف ديان أن "لا أحد يفكر بإسكانهم في مكان يعرقل الاستيطان اليهودي".

وقال وزير السياحة، موشيه كول، إنه "إذا أردنا رؤية قطاع غزة كجزء من دولة إسرائيل، يتعين علينا التحرر من قسم من السكان هناك، وبقدر ما نستطيع. وسندفع تعويضات أكثر للأشخاص الذين يرغبون بالانتقال" من القطاع.

وأشار الوزير يسرائيل غاليلي، في العام 1971، إلى أنه "لا أوهم نفسي بأن هذا عمل إنساني، وأننا عادلون معهم. ولا أريد تزيين هذه العملية الوحشية، لكن هذا الأقل سوءا في الظروف الموجودة".

وردّت مئير أنه "واضح أنه طواعية لن نصل إلى تقليص (عدد سكان) مخيم جباليا. والأفضل لو تم الأمر طواعية. لا مفر. وهذه ’وحشية’ مروعة فعلا: ننقلهم إلى شقة. نعطيهم تعويضا. إذا كان هذا وحشيا، فإنني لا أعلم كيف يُنفذ أمر بشكل مريح. ورغم ذلك لا شك في أنهم لا يريدون الانتقال".

وقال فيرهابتيغ لمئير إنه "يفضل استخدام الإكراه إذا كانت هناك حاجة لاستخدام القوة، ولكن فقط من خلال جلبة"، مشيرا إلى أنه ينبغي انتظار نشوب حرب وطرد الغزيين بالقوة.

يشار إلى أن عشرات آلاف الفلسطينيين خرجوا من قطاع غزة في تلك السنوات. وفي العام 1970 أقيمت أول مستوطنة في القطاع، لكن معظم سكان القطاع ظلّوا فيه.