أطلق فريق يضمّ 15 عالم طبّ نداء عاجلًا لكسر الصمت العالميّ حيال الإبادة الجماعيّة الّتي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزّة منذ أكثر من عام ونصف.
الفريق العلميّ الّذي تترأّسه عالمة الجينات الإيطاليّة باولا ماندوكا، أطلق النداء بعنوان "إدانة الإبادة الجماعيّة في غزّة واتّخاذ الإجراءات اللازمة"، إلّا أنّ مجلّات علميّة مرموقة رفضت نشره.
وجاء في النداء الّذي نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ: "يجب على المنظّمات الطبّيّة بكافّة أنحاء العالم أن تدين حالة الحرمان من العلاج (في غزّة)".
وذكر أنّ المؤسّسات الطبّيّة الّتي تلتزم الصمت إزاء هذا الوضع "ستظلّ متواطئة في الجرائم المرتكبة في غزّة".
تدمير ممنهج للمنظومة الصحّيّة
وذكر النداء أنّ مستشفيات "كمال عدوان" و"الإندونيسيّ" و"العودة" شمال قطاع غزّة، تلقّت أوامر بالإخلاء في 8 أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، مشدّدًا على أهمّيّة تلك المستشفيات لاستمرار حياة الفلسطينيّين الّذين يتعرّضون للقصف اليوميّ.
واعتبر العلماء أنّ أوامر إخلاء المستشفيات الّتي تقدّم رعاية طبّيّة لآلاف المصابين والمرضى "جزء من محاولة الإبادة الجماعيّة الإسرائيليّة في شمال غزّة"، مؤكّدين "ضرورة ألّا يبقى عالم الطبّ صامتًا إزاء هذه المجزرة".
وأشار النداء العاجل إلى وجود أطفال ومرضى غسيل كلى في قسم العناية المركّزة بمستشفى كمال عدوان، بالتزامن مع استقبال تلك المستشفيات لمئات الجرحى والقتلى.
وأوضح أنّ "إسرائيل رفضت على الأقلّ 7 طلبات لمنظّمة الصحّة العالميّة من أجل إخلاء المستشفيات".
وذكر أنّ "ما لا يقلّ عن ألف عامل بمجال الرعاية الصحّيّة قتلوا، و300 آخرين اختطفوا، بينهم 4 لقوا حتفهم أثناء الاعتقال" لدى الجيش الإسرائيليّ.
وتحدّث النداء عن حالات إعدام لممرّضة في إحدى المستشفيات بعد تقييدها، فيما أكّد 44 طبيبًا دوليًّا مقتل أطفال برصاص قنّاصة الجيش الإسرائيليّ.
وتواصل إسرائيل، بحسب نداء العلماء، هجماتها على المستشفيات ووحدات العناية المركّزة لحديثي الولادة، إضافة إلى مقتل 220 من موظّفي الأمم المتّحدة والعاملين في مجال الإغاثة الدوليّة.
مجلّات طبّيّة رفضت نشر النداء
وفي حديثها، أكّدت ماندوكا الّتي عملت بمستشفيات غزّة بين عامي 2010 و2019، أنّ مجلّتين طبّيّتين رفضتا نشر النداء العاجل. وأوضحت أنّ إحدى المجلّتين "لم تستجب على الإطلاق، والأخرى برّرت رفضها بعدم وجود محتوى أخلاقيّ كاف".
وقالت ماندوكا: "يبدو أنّ النشر في المجلّات يقتصر على نقل الأحداث فقط، وأنّ انتقاد المنظّمات الطبّيّة والدعوة للتحرّك غير مقبول".
ولفتت إلى أنّها قرّرت مع الفريق العلميّ الّذي تترأّسه، نشر النداء العاجل على مواقع التواصل الاجتماعيّ.
المستشفيات أهداف للقصف
وفي شرحها لتفاصيل استهداف تلّ أبيب لنظام الرعاية الصحّيّة في غزّة، ذكرت البروفيسور ماندوكا أنّ الجيش الإسرائيليّ استهدفت جميع المستشفيات في القطاع البالغ عددها 36.
كما استهدف الجيش الإسرائيليّ العديد من مرافق ومراكز الرعاية الصحّيّة، بما في ذلك مراكز وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين "الأونروا".
وقالت ماندوكا: "الهجمات مستمرّة بشكل ممنهج. فمجرّد أن يستعيد الأطبّاء عملهم جزئيًّا يتمّ قصفهم مرّة أخرى".
وأضافت: "استهدفت سيّارات الإسعاف وقتل عدد من العاملين في المجال الطبّيّ، بشكل لا يمكن مقارنته بأيّ من الحروب الأخرى" حول العالم.
وأردفت: "في الحقيقة، إذا منعت الناس من تلقّي العلاج، سواء كانوا مصابين بأمراض مزمنة أو بجروح، فإنّك تخلق صعوبة على جميع السكّان في البقاء على قيد الحياة. ويمكنك تحقيق ذلك بسهولة بقصف المستشفيات وخلق ظروف صعبة للوصول إلى الأدوية والموادّ الطبّيّة".
وبيّنت العالمة الإيطاليّة أنّ "نقص الإمدادات الضروريّة للمستشفيات في غزّة مشكلة مزمنة، لكنّ الجديد في الأمر هو استهداف العاملين في المجال الطبّيّ والبنية التحتيّة وكافّة المستشفيات الحكوميّة والخاصّة".
أطبّاء إسرائيل خالفوا أخلاقيّات الصحّة الدوليّة
وقالت ماندوكا: "من المعروف أنّ 99 طبيبًا إسرائيليًّا نشروا رسالة في أكتوبر (2023) تؤيّد الهجمات على الفلسطينيّين".
"كما أعلن 3 عاملين بالرعاية الطبّيّة الإسرائيليّة مشاركتهم في ذلك بسوء معاملة المعتقلين الفلسطينيّين في السجون الإسرائيليّة"، وفق المتحدّثة.
وبيّنت أنّ "إسرائيل تمنع الفلسطينيّين الّذين يعانون أمراض حرجة من العلاج في مستشفياتها"، وأنّ الأطبّاء الإسرائيليّين يتصرّفون بشكل "يتعارض مع التزامات أخلاقيّات الصحّة الدوليّة".
وفي السياق، طالب المرصد الأورومتوسطيّ لحقوق الإنسان، مؤخّرًا، المنظّمات الدوليّة والأمميّة بـ"إعلان المجاعة رسميًّا" شمال قطاع غزّة، مع مرور أكثر من 50 يومًا على منع إدخال المساعدات والبضائع لمئات آلاف الفلسطينيّين.
وذكر المرصد (مقرّه جنيف) أنّ "عشرات الآلاف من الفلسطينيّين بمن فيهم عشرات المرضى في ثلاثة مستشفيات شمال غزّة، يواجهون خطرًا محدّقًا بالموت جوعًا، أو الخروج بتداعيات صحّيّة دائمة، جرّاء الحصار الإسرائيليّ غير القانونيّ".
وذكر المرصد أنّ قوّات الاحتلال الإسرائيليّ دمّرت مئات المنازل ومراكز الإيواء منذ 5 أكتوبر الماضي، ما أسفر عن مقتل نحو 1900 فلسطينيّ وإصابة أكثر من 4 آلاف آخرين، وأجبر عشرات الآلاف على النزوح، بينما لا يزال آخرون في المنازل ومراكز الإيواء.
مؤسّسات طبّيّة التزمت الصمت تجاه غزّة
ووصفت العالمة الإيطاليّة صمت المنظّمات الطبّيّة على ما يحدث في غزّة بأنّه "مروّع"، وذكرت أنّ المؤسّسات الصحّيّة الكبرى ليس في إسرائيل فقط بل في دول أخرى أيضًا، التزمت الصمت تجاه هذه الأوضاع.
ودعت ماندوكا المنظّمات الصحّيّة الكبرى إلى "ممارسة الضغوط من أجل وقف هجمات الجيش الإسرائيليّ على قطاع غزّة وخلق قضيّة رأي عامّ" بهذا الخصوص.
وبدعم أميركيّ ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعيّة بغزّة، خلّفت أكثر من 147 ألف شهيد وجريح فلسطينيّين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت أطفالًا ومسنّين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانيّة بالعالم.