لدى متابعة مجمل ردّات الفعل التي تواترت في إسرائيل، إثر فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية في الولايات المتحدة، أول ما يلفت النظر أن الأوساط المقرّبة من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تتوقّع من الإدارة الأميركية الجديدة المناصرة لها أن تبادر، أولاً وقبل أي شيء، إلى إنجاز مهمّتين عاجلتيْن، إلغاء العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية الحالية الديمقراطية على عناصر من اليمين الإسرائيلي المتطرّف، وكبح مؤسسات الأمم المتحدة في لاهاي (المقصود محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية).

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

أما نتنياهو نفسه فقد أفصح عن توقّعاته، في سياق خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي، أول من أمس الإثنين، حين شدّد، من ضمن أمور أخرى، على وجوب التصدّي أيضا وبالأساس لإيران وبرنامجها النووي، ومحاولات بسط نفوذها في الشرق الأوسط من خلال دعم "الوكلاء" وتسليحهم بالصواريخ والمسيّرات.

وبحسب ما كتب مقرّبون من نتنياهو، تحمل التعيينات الجديدة في إدارة ترامب المقبلة بشائر لكل من يرى أن إيران تشكل تهديداً للسلام والاستقرار في العالم، ومصدراً لكل الشرور في الشرق الأوسط، وتؤشّر إلى نيّة العودة إلى مقاربة مواجهة النظام الإيراني وتوابعه من خلال اتّباع سياسة مواجهة حازمة ضدّه تستند إلى القوة بجانب المصالح. وينوّه هؤلاء بأن الولاية السابقة لترامب اتّسمت باتخاذ خطوات قاسية ضد إيران، مثل الانسحاب من الاتفاق النووي، واغتيال قاسم سليماني، وفرض عقوبات على بيع النفط.

وهم ينتظرون أن ينتهج ترامب استراتيجية مشابهة في ولايته الجديدة: خطوات عدوانية، وضغوط اقتصادية على مداخيل النفط، وجهود لتقليص مدخولات طهران بصورة عامة. ومن المتوقع أن يدفع ترامب بمشروع الممرّ الاقتصادي الهند - الشرق الأوسط - أوروبا (IMEC)، وأن يدعم أذربيجان فيما يتعلق بممرّ زنغزور، بغية الحدّ من وصول إيران إلى أوروبا.

وشدّدت ردّات فعل أخرى على خلاصة قديمة - جديدة، فحواها أنها، في كل ما يتعلق بأمن دولة الاحتلال الآن وإلى الأبد، لا يمكنها سوى الاعتماد على نفسها وقوة ذراعها العسكرية. وبموجب ما كتب أكثر من مسؤول إسرائيلي سابق ومحلّل سياسي، اهتدى بهذه الخلاصة جميع زعماء إسرائيل، بدءاً من ديفيد بن غوريون وصولاً إلى نتنياهو، ولا سيما حيال مسألتين ذواتي صلة: إقرار "الحدود النهائية" بحيث تكون "قابلة للدفاع عنها" ما يستلزم الاحتفاظ بمواقع استراتيجية، مثل غور الأردن، أو هضبة الجولان.

والحفاظ على مكانة إسرائيل الأمنية في كل المنطقة الجغرافية الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. وفي هذا الشأن، كتب أكثر من محلّل أنه في النقطة الزمنية الحالية تبدو تافهة وسطحية أي خطّة تدعو إلى إرساء أمن دولة الاحتلال، في منطقة الحدود مع لبنان مثلاً، بواسطة اتفاقيات، وعبر مرابطة قوات طوارئ دولية من الأمم المتحدة، ومن خلال تقديم ضمانات أميركية.

وكانت هناك ردّات فعل ثالثة تركّزت في تثمين "اتفاقيات أبراهام" لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية. ومثلما كتب بعضهم، وضعت هذه الاتفاقيات المدماك المطلوب للكفّ عن النظر إلى إسرائيل على أنها جذر الشرور في منطقة الشرق الأوسط، وجعلت النظرة إليها مستندة، أكثر من أي شيء آخر، إلى معناها على صعيد القوة العسكرية والتكنولوجية.

ويعتقد أصحاب هذه المقاربة أنه ينبغي الاستمرار في هذا المسار، وأن النتائج التي أسفرت عنها الحرب على غزّة وعلى لبنان لا تشي بتآكل هذه القوة، فضلا عن أنه على خلفية ما يبدو أنه منحى من شأنه أن يسيطر على السياسة الأميركية الراهنة، وهو منحى متعلق برغبة النأي بالنفس عن أي مواقد توتر في العالم، والتفرّغ لمواجهة المشكلات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والتحدّيات الخارجية، وخصوصا الآتية من الصين، في وسع إسرائيل أن تثبت لواشنطن مبلغ قيمتها وجدواها بصفتها دولة يمكنها أن تساعد في الحفاظ على المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.