شهد المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني موجة غير مسبوقة من جرائم القتل خلال الأيام القليلة الماضية، إذ ارتُكبت تسع جرائم قتل بالإضافة إلى إصابة ما لا يقل عن 11 شخصًا في جرائم إطلاق نار وطعن مختلفة.

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

هذه الجرائم المروعة ليست مجرد إحصاءات، بل انعكاس لتصاعد الجريمة المنظّمة التي تتغلغل في أوصال المجتمع العربي، بينما تقف السلطات الأمنية عاجزة، وعلى رأسها الشرطة الإسرائيلية، إن لم تكن متواطئة مع الجريمة.

تنوعت خلفيات الجرائم بين صراعات عائلية وخلافات مالية، لكن المهيمن على المشهد هو الصراعات بين المنظمات والعائلات الإجرامية.

8 قتلى خلال أيام

واللافت أن مفهوم الانتقام في هذه الصراعات بات أكثر وحشية ودموية، حيث توسّعت دائرة القتل لتشمل أفرادًا من الدوائر البعيدة من العائلة، فبعد أن كانت عمليات الانتقام تستهدف الحلقة الأولى من الأقارب، الأب أو الأخ، أصبح اليوم، العم وأبناء العم هدفًا، والآن حتى الأقارب الأبعد هم معرضون للقتل، وهذا يندرج تحت وطأة التصاعدية التي تشهدها الجريمة في المجتمع العربي، بسبب انعدام السلطة الرادعة، وهذا أحد أسباب ارتفاع نسب الجريمة.

شهدت منطقة النقب في الأسبوعين الأخيرين 3 جرائم من بين 8 جرائم في المجتمع العربي، ويلاحظ ارتفاع الجريمة في المنطقة منذ مطلع العام الجاري، والتي تتركز خلفيتها في الصراعات العائلية المسلحة والقتل داخل العائلة. كما شهدت مدينة كفر قرع في منطقة المثلث جريمتي قتل، في الوقت الذي تشهد المدينة هذا العام أعلى نسبة جرائم في الأعوام الأخيرة. وتتركز الصراعات في كفر قرع على خلفية انتقامية بين المنظمات الإجرامية. أما اللد والرملة، فتشهدان استشراء الجريمة، وتتنوع خلفيات الجرائم بين صراع بين المنظمات الإجرامية، وصراعات بين العائلات والتي تأخد الحيز الأكبر، وسط فشل الشرطة بفك لغز غالبية جرائم القتل.

ومن الملفت أن وصل الأمر إلى اختيار الضحايا بناءً على نجاحاتهم الشخصية أو مكانتهم الاجتماعية داخل العائلة، وكأنما تُراد الضربة أن تكون أشد إيلامًا (كما حصل في جريمة قتل مدير المدرسة في باقة الغربية). هذه الظاهرة الجديدة، التي بدأت بالتصاعد في العامين الأخيرين، تشير إلى انعدام أي مراعاة لحياة الأبرياء لدى منظمات الجريمة، التي باتت ترى في القتل وسيلة لتحقيق الهيمنة، وبثّ الرعب، وإشباع غريزة الانتقام.

الشرطة الإسرائيلية متهمة بغيابها عن مسارح الجريمة، وهذا ما يشجع منظمات الجريمة على التحرك بحرية وسهولة للانتقام، فبين الجريمة والأخرى قد تكون ساعات قليلة لا أكثر. من دون رقابة أمنية حقيقية، وفي ظل ضعف القيادات المحلية، التي تفتقر إلى أدوات حل النزاعات بطرق سلمية وإن كان هناك دور للجان الصلح القطرية والمحلية ولجنة المتابعة، هذا الضعف يترك فراغًا تستغله منظمات الجريمة لتفرض نفوذها بالقوة.

انتشار الجريمة بوتيرة متسارعة يبدو بأنه صدفة ونشهده بين الفترة والأخرى، هذه التغييرات في بيانات الجريمة لا تأتي بسبب تأثيرات خارجية، ولكن ما لا يمكن فصله هو توفر السلاح بشكل واسع وغياب الشرطة عن معالجة الجريمة.

هذا الانتشار يعزز من قدرة منظمات الجريمة على تنفيذ عملياتها، ويحول حتى النزاعات البسيطة إلى مواجهات دموية. غياب تطبيق القوانين الرادعة بشأن حيازة السلاح في المجتمع العربي يظهر ازدواجية واضحة في تعامل السلطات الإسرائيلية، بالتزامن مع هذا الواقع، تُضاف هذه العوامل إلى سياسة حكومية أوسع تستغل استمرار الجريمة لإبقاء المجتمع العربي في حالة ضعف وانشغال بصراعات داخلية تمنعه من المطالبة بحقوقه القومية والمدنية.

تأتي هذه الجرائم في ظل تصريحات مثيرة للجدل للمفوض العام الجديد للشرطة الإسرائيلية، داني ليفي، الذي قال مؤخرًا إن "الجريمة بخير". هذه العبارة، التي أثارت غضبًا شعبيًا واسعًا، تُطرح حولها تساؤلات كثيرة، هل كانت زلّة لسان عابرة أم تعبيرًا عن موقف متعمّد يرى في الدماء العربية أمرًا طبيعيًا؟

يتهم الكثير من المواطنين العرب الحكومة الإسرائيلية بالتقاعس المتعمّد، وبدأت هذه الأصوات تعلو مجددا في الآونة الأخيرة، إذ أن المفوض العام للشرطة الحالي عُيّن من قبل وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وهو المعروف بتطرفه وأجندته العنصرية الواضحة.

هذه التصريحات تعكس، في نظر البعض، نظرة حكومية تعتبر أن استمرار الجريمة في المجتمع العربي ليس فقط مقبولًا، بل يخدم أهدافًا سياسية.

غياب الشرطة: الجريمة تُترك دون رادع

الشرطة الإسرائيلية تبدو، في العامين الأخيرين، غائبة بشكل شبه كامل عن مشهد مكافحة الجريمة في المجتمع العربي. حضورها الملحوظ يظهر فقط في قمع الاحتجاجات والتظاهرات أو عند تحرير المخالفات المرورية. في المقابل، فإن معالجة جرائم القتل ومواجهة منظمات الجريمة لا تحظى بأي أولوية.

هذا الغياب يظهر بوضوح في أماكن وقوع الجرائم، حيث يتم تأخير جمع الأدلة، وعدم متابعة الملفات بجدية، وغياب الردع الحقيقي لمنظمات الجريمة، ويظهر هذا جليا أيضا في عدد دوريات الشرطة التي تحضر إلى كل مكان ارتكبت فيه جريمة، إذ بدأ يلاحظ انخفاض في تواجد الشرطة بالميدان، بالإضافة إلى انخفاض حاد في فك رموز جرائم القتل في المجتمع العربي التي تقترب إلى 7%.

مثل هذه الممارسات تُشعر المواطنين بأن أرواحهم أقل قيمة في نظر السلطات، مما يزيد من إحباطهم وشعورهم بالعجز، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى الانجرار حول العنف بوتيرة أوسع.

اقرأ/ي أيضًا | لماذا تحارب إسرائيل لجان الإصلاح؟