قالت المحامية لبنى توما، من مركز "عدالة" الحقوقي، إن أصحاب قانون قطع المخصصات عن أسر الأطفال المدانين بـ"الإرهاب" لا يرون أي إمكانية أو فائدة من ضرورة تأهيل هؤلاء الأحداث، بل يتحدثون عن أن الهدف من هذا القانون لم يعد الردع وتشجيع الأهل على فعل ذلك، وإنما يتحدثون عن انتقام ومحو إيديولوجية "الإرهاب"، وهم يرون بأن هؤلاء الأطفال "إرهابيين" بالفطرة!
وكان الكنيست قد صدّق، مساء أول من أمس الثلاثاء، بالقراءة الثانية والثالثة، على مشروع قانون يهدف إلى قطع المخصصات المالية عن الأسر التي يُدان أطفالها (الأحداث) بتهم تتعلق بـ"الإرهاب".
وبموجب هذا القانون، ستقوم السلطات بقطع المستحقات المالية عن أولياء الأمور الذين يقضي أطفالهم القاصرين فترة سجن بعد إدانته بتهم تتعلق بـ"الإرهاب"، علما بأن المحكمة العليا قد ألغت مشروع قانون مماثل تم تمريره في عام 2015، بسبب صعوبة تطبيقه بشكل شامل دون دراسة حالة كل والد على حدة، وعلاقته بالجريمة التي أدين بها طفله.
وتشمل الاستحقاقات المالية التي سيتم قطعها بموجب القانون الجديد: مخصصات الأطفال، والإضافات الخاصة بالطفل في مخصصات ضمان الدخل، ومخصصات العجز، ومخصصات الأرامل، والأيتام، وغيرها.
وللوقوف على أبعاد هذا القانون والفئة المستهدفة كان لـ"عرب 48" الحديث التالي مع المحامية لبنى توما، من مركز "عدالة" الحقوقي:
"عرب 48": ما خلفية وأبعاد هذا القانون الذي يضاف إلى سلسلة من القوانين التي تقرها هذه الحكومة اليمينية التي تستهدف المجتمع العربي تحديدا؟
توما: في تاريخ 28/10/2024 بعد تمرير اقتراح القانون بالقراءة الأولى وقبل القراءتين الثانية والثالثة وإقرار القانون، مساء الثلاثاء، كنا قد بعثنا برسائل إلى المستشارة القضائية للكنيست والمستشارة القانونية للجنة العمل والرفاه الاجتماعي ووزارة القضاء وكل الأجسام المخوّلة بالتأثير ومنع سن هذا القانون. هذه الرسائل تلقي الضوء على عدم دستورية هذا اقتراح القانون وتطالب كل هذه الجهات بالعمل على إلغائه.
"عرب 48": لماذا حسب رأيك يجيء هذا القانون في هذا الوقت بالذات ويتزامن مع سلسلة من القوانين التي تصعّب على العرب الترشح للكنيست، وأخرى تدعو إلى طرد عائلات المتورطين في أعمال "إرهابية" وغيرها؟
توما: اقتراح القانون هذا يجيء عقب اقتراح قانون مشابه أو مماثل قُدّم إلى لجنة الكنسيت عام 2015، وفي حينه قدم مركز "عدالة" التماسا ضده وحصل على قرار نعتبره قرارا جيدا، ألغى اقتراح القانون واعتبره غير دستوري لعدة ادعاءات في أساسها أن اقتراح القانون هو غير دستوري.
"عرب 48": عندما نقول إنه غير دستوري.. ماذا نقصد؟
توما: غير دستوري بمعنى أنه لا يقف بالمبادئ الدستورية للدولة، ويتعارض مع مبادئ قانون الأساس حرية الإنسان وكرامته، والذي يتضمن بندا يقضي بأن أي مس بحق حرية الإنسان وكرامته يجب أن يخضع لمعايير محددة، تحكمه صلاحيات واضحة ضمن القانون، وليس أن يكون جارفا! لذلك فإن كل اقتراح قانون نرى فيه مس بحق أساس دستوري وإنساني نعيده إلى قانون الأساس المذكور، وبالتالي نقوم بتقديم التماس ضده إذا وجدنا أنه يتناقض مع حق الإنسان في المساواة.. وما نراه في هذا القانون هو عنصرية مُمأسسة ضد الأسرى القاصرين المدانين بتهم أمنية.
"عرب 48": هل الحديث عن قطع المخصصات والمستحقات التي تخص الطفل المدان بتهم "الإرهاب" أم المخصصات الأخرى المتعلقة بالأسرة كمخصصات الشيخوخة وضمان الدخل؟
توما: طبعا الحديث هنا عن المخصصات المرتبطة بالطفل، وهي مخصصات الأولاد، وكل المخصصات الأخرى المرتبطة بوجود أولاد قاصرين لدى الأسرة.. أي كل نوع المخصصات والمستحقات المرتبطة بوجود أطفال في الأسرة يتم سحبها أو قطعها حسب هذا القانون".
"عرب 48": هل الحديث عن العرب الفلسطينيين في الداخل أم أنه يستهدف تحديدا الفلسطينيين في شرقي القدس، وهل سيسري على المستوطنين الذين يشاركون في أعمال إرهابية مثل الهجوم على حوّارة وغيرها من الاعتداءات؟
توما: هذا سؤال جوهري، لأن المنظومة القضائية، ونحن نشهد، على أنها تتشعّب إلى قنوات مختلفة، وذلك يظهر من خلال التهم التي تنسب للفلسطينيين مقابل التهم التي تنسب للإسرائيليين. فعلى سبيل المثال تهمة التحريض على الإرهاب نرى بأنها تنسب للفلسطينيين سواء من عرب الداخل أو في القدس الشرقية، ولكن تهم التحريض على العنصرية فهي عادة ما تنسب للمستوطنين عندما يقومون بأعمال عدائية، لذلك فإننا نرى في ذلك مستوى إضافيا يشهد على عمق هذه القنوات، فالقانون يحتمل أكثر من مستوى حسب قومية المتهم. وهذا بالتالي يعزز سياسة الأبرتهايد داخل المنظومة القضائية.
"عرب 48": هل هناك إحصاءات رسمية حول عدد الأحداث الذين يواجهون تهما أمنية أو "إرهابية" قد تتضرر أسرهم من تطبيق هذا القانون؟
توما: لا أعلم، ولكن في بروتوكولات الجلسات هناك موقف جهاز الأمن العام (الشاباك) أو وجهة نظر الجهاز التي تشير إلى أنه لا يوجد عدد كبير من الأحداث الذين أدينوا بهذا النوع من التهم، فربما لم يكن هناك الكثير منهم في السابق، ولكننا نرى اليوم تصاعدا بنسب هذه التهم للفلسطينيين من جيل الأحداث، وبمعزل عن التصاعد الكمي فإنه من خلال تقديم القانون بالقراءة التمهيدية والقراءة الأولى وما بعدها، واضح أن المصطلحات التي تستخدم في القانون تنزع عنصر الطفولة عن هؤلاء وتتعامل معهم كشياطين. وعندما يتم الحديث عن تأهيل هؤلاء الأطفال فإن أصحاب هذا القانون لا يرون أي إمكانية أو فائدة من ضرورة تأهيل هؤلاء الأحداث، بل يتحدثون عن أن الهدف من هذا القانون لم يعد الردع وتشجيع الأهل على فعل ذلك، وإنما يتحدثون عن انتقام ومحو إيديولوجية "الإرهاب"، وهم يرون بأن هؤلاء الأطفال "إرهابيين" بالفطرة! وهذا كان واحدا من ادعاءاتنا المركزية في الرسالة التي وجهناها إلى المسؤولين في الكنيست وجهاز القضاء ولجنة العمل والرفاه الاجتماعي. وأؤكد أن أبعاد هذا القانون هي عنصرية بالأساس وليس تأديبية رادعة.