مضحك هو منظر وزير الأمن الإسرائيليّ الجديد يسرائيل كاتس وهو محشور داخل السترة الواقية والخوذة العسكريّة، ويقف هو ونتنياهو على محور "نيتسريم" في قلب قطاع غزّة المحتلّ، للمرّة الثالثة، إذا ما أخذنا بالحسبان المدّة القصيرة الّتي خضع فيها للاحتلال الإسرائيليّ خلال حرب 1956، أنّها صورة تذكّرنا بصورة عمير بيرتس وزير الأمن، في حينه، وهو يحدّق بالمنظار المغلق خلال حرب لبنان الثانية عام 2006.

كاتس هو لعبة نتنياهو الجديدة الّذي سيعبر بواسطتها المرحلة الثانية من الحرب على غزّة، والّتي ستوصله انتخابات 2026 والإفلات من لجنة التحقيق الرسميّة ومحاكمات ملفّات الفساد، بعد أن استيقظ "ضمير" غالانت العسكريّ على أهمّيّة استعادة الأسرى الإسرائيليّين المحتجزين في غزّة، حتّى بأثمان "موجعة" مثل الانسحاب من القطاع وإنهاء الحرب.

لقد أنهى الجنرال يوآف غالانت مهمّته "العسكريّة" متوّجًا كأبرز أبطال حرب الإبادة الجماعيّة الّتي شهدها العهد الحديث، ولم يتبقّ سوى ما وصف بلسان أحد الحقوقيّين الإسرائيليّين بـ"تأكيد قتل غزّة" الّذي يقوم به الجيش الإسرائيليّ اليوم وهي مهمّة قادر على تنفيذها حتّى الشاويش يسرائيل كاتس، الّذي سيناط به مهمّات سياسيّة أبرزها تثبيت ركائز الاحتلال المتجدّد وإعادة "الحكم العسكريّ" وتهيئة الأرضيّة لتجديد الاستيطان، وهي مهمّات باتت ظاهرة للعيان.

وزير الأمن السابق يوآف غالانت بدا واضحًا، عندما قال إنّ إسناد مهمّة توزيع المساعدات الإنسانيّة لشركات خاصّة، هي ستار لبداية "حكم عسكريّ" في غزّة؛ لأنّ جنود الجيش الإسرائيليّ هم من سيحرسون عمل تلك الشركات، ويعملون على حماية أفرادها، محذّرًا من أنّ إقامة "حكم عسكريّ" ليس أنّه لا يمثّل هدفًا من أهداف الحرب فقط، بل هو فعل سياسيّ خطير وغير مسؤول، على حدّ تعبيره.

وكانت مسألة إقامة "حكم العسكريّ" في غزّة إحدى محاور الخلاف مع نتنياهو الّتي أطاحت بغالانت في نهاية الأمر، حيث عارض الأخير الحكم العسكريّ بصفته، بديلًا استراتيجيًّا، أمنيًّا وعسكريًّا سيّئًا، لأنّ من شأنه أن يجذب الجهد الأمنيّ الرئيسيّ في السنوات القادمة على حساب جبهات أخرى، وأن يكلّل بالدم والضحايا ناهيك عن الثمن الاقتصاديّ.

وكما هو معلوم، فإنّ إقالة غالانت مرّت مرور الكرام بعد فشل ليل غالانت الثاني، ورغم عدم أسفنا عليه؛ لأنّه أحد مجرمي الحرب الأكثر بشاعة، لكنّ إقالته كشفت ليس فقط البعد الشخصيّ والفئويّ لمخطّط نتنياهو في النجاة بحكومته بأيّ ثمن، ولكنّها كشفت أيضًا توافقه مع استراتيجيّة سموترتش وبن غفير المتمثّلة بتكريس احتلال غزّة وتجديد الاستيطان على أرضها باعتباره قيمة صهيونيّة عليا وكونها جزءًا ممّا يعتبرونه أرض إسرائيل الكاملة بين البحر والنهر.

وما الاستعجال في التوصّل إلى وقف إطلاق نار وتسوية الأوضاع على الجبهة الشماليّة، رغم أنّ الموضوع ما زال محاطًا بكثير من علامات السؤال، سوى أن المطالب السياسيّة الإسرائيليّة تتخطّى الواقع الميدانيّ القائم على الأرض، خاصّة وأنّ قوّات إسرائيل البرّيّة ما زالت تراوح مكانها على الحافّة الأماميّة وهي عاجزة عن التقدّم واختراق دفاعات حزب اللّه، كما أنّ صواريخ المقاومة اللبنانيّة ما زالت تضرب عمق تلّ أبيب.

الاستعجال مردّه الرغبة في العودة إلى صبّ الجهد العسكريّ في القطاع بغية تنفيذ المخطّطات السياسيّة، من تهجير وتركيز واستيطان، والّتي تتطلّب حراسة وحماية ومرافقة من جنود الاحتلال وإقامة نوع من الحكم العسكريّ لإدارة شؤون السكّان المدنيّة.

وقد بدا نتنياهو إلى جانب وزير أمنه الجديد، أكثر شجاعة وصراحة في موضوع التخلّي عن قضيّة الأسرى الإسرائيليّين، عندما غيّب من تصريحه الّذي أدلى به في محور "نيتسريم" الحديث عن أيّ صفقة لتحرير الأسرى الإسرائيليّين، واستعاض عن ذلك بتعبير العثور على الأسرى، إلى جانب الإعلان عن جائزة بقيمة خمسة ملايين دولار لمن يدلي بأيّ معلومات تساعد على ذلك، متناسيًا أنّه دخل غزّة أعمى، وسيخرج منها أكثر عمى لأنّه لم يجد ولن يجد أيّة عيون غزيّة حولاء، وأنّ عيون أهلها جميعهم ترنو إلى يوم النصر القريب.

اقرأ/ي أيضًا | عهد ترامب مظلّة لتثبيت احتلال غزّة وضمّ الضفّة وتقزيم الداخل