في ظلّ اقتصاد عالميّ شديد الترابط، فإنّ دور الدولار الأميركيّ باعتباره العملة العالميّة المهيمنة، له آثار بعيدة المدى على الأسواق الناشئة والاستقرار الماليّ في جميع أنحاء العالم. ولا تشكّل مكانة الدولار ديناميكيّات التجارة الدوليّة فحسب، بل تؤثّر أيضًا على السياسات النقديّة ومسارات النموّ الاقتصاديّ في الاقتصادات النامية. إنّ فهم تأثير دورة الدولار الأميركيّ على هذه الأسواق أمر بالغ الأهمّيّة، حيث يمكن أن تؤدّي مثل هذه التقلّبات في قيمته إلى عواقب اقتصاديّة كبيرة بما في ذلك الضغوط التضخّميّة والتعرّض المتزايد للصدمات الخارجيّة.
لذلك، فإنّ التفاعل بين الدولار الأميركيّ والظروف الاقتصاديّة العالميّة وديناميكيّات الأسواق الناشئة يمثّل مجالًا بالغ الأهمّيّة للباحثين والأكاديميّين والاقتصاديّين، وخاصّة في سياق هياكل الحوكمة الاقتصاديّة العالميّة المتطوّرة. وعند النظر إلى المستقبل القريب والبعيد، فإنّ من الأمن القول إنّ توقّع المسارات المستقبليّة للدولار الأميركيّ يمكن أن يرسم صورة واضحة لمسار العملات والعملات الرقميّة في ظلّ مشهد ماليّ متغيّر.
الصعود التاريخيّ للدولار كعملة مهيمنة بدأ مع خطط مارشال ودودج، إلى جانب الرخاء الاقتصاديّ الأميركيّ، إذ أصبحت الدول من مختلف أنحاء العالم تسعى للاحتفاظ بمزيد من الدولارات، وقيمة أقلّ من الجنيهات الإسترلينيّة في احتياطيّاتها طيلة أواخر القرن العشرين. ووصل مؤشّر داو جونز الصناعيّ إلى ما يقرب من 10000 نقطة في ذلك الوقت في يناير/كانون الثاني 1966 عندما بلغ 9717.08 نقطة. وبحلول نهاية عام 1970، كان نحو 85% من العملة الاحتياطيّة العالميّة المحتفظ بها من الدولار الأميركيّ.
على إثر التوقّعات بخفض الفائدة، شهد سعر البيتكوين ارتفاع ثابت منذ فوز ترامب والإعلان الرسميّ عبر وكالات الأخبار وشبكات التلفزة العالميّة. ومن الظروف الأخرى الّتي ساعدت البيتكوين على الانطلاق إلى قمم تاريخيّة، مشاركة إيلون ماسك في الحملة. ووصلت عملة البيتكوين مؤخّرًا إلى أعلى مستوى لها بأكثر من 98 ألف دولارًا أميركيًّا، ويتوقّع الخبراء أنّها قد تصل قريبًا إلى 100 ألف دولار.
بالطبع، لا أحد يعرف على وجه اليقين، ولكن بالنظر إلى تاريخ صعود عملة البيتكوين، فمن الممكن أن تتضاعف القيمة أو تصل حتّى إلى 4 أضعاف في السنوات القادمة، أي أكثر من ربع مليون دولار أميركيّ مقابل الحبّة الواحدة، وتساعد المشاريع المبتكرة مثل، Plutochain $PLUTO انتباه المستثمرين من خلال توفير حلول لتحدّيات التوسّع في عملة البيتكوين. بفضل تقنيّتها الهجينة الثوريّة Layer-2، تعمل Plutochain على فتح إمكانات جديدة لعملة البيتكوين في التمويل اللامركزيّ DeFi.
وتنقسم أدوات الاستثمار إلى أدوات خطيرة وملاذات آمنة، يمكن القول إنّ الذهب يأتي على رأس الملاذات الآمنة متبوعًا بالدولار الأميركيّ والين اليابانيّ، لما تقدّمه تلك الملاذات من استقرار ضدّ التضخّم والتوتّرات الجيوسياسيّة العالميّة. وبما أنّ الدولار لديه الثقل الرئيسيّ في الأسواق الماليّة، فإنّ بعض القرارات الّتي تتّخذها الحكومة الأميركيّة مثل رفع أو خفض أسعار الفائدة لها تأثيرات كبيرة على الأسواق الماليّة وأسواق العملات الرقميّة.
بشكل مبسّط جدًّا، إذا قرّر البنك الفيدراليّ الأميركيّ رفع أسعار الفائدة، فإنّ العوائد على الاستثمار في العملة الأميركيّة سترتفع، وبالتّالي، سيعمل المستثمرون على شراء الدولار مقابل العملات الأخرى. عمليّات الشراء ترفع الطلب وبالتّالي ترتفع قيمة الدولار. عمليّات الشراء تلك تؤدّي إلى سحب المستثمرين أموالهم من العملات الأخرى والملاذات الآمنة الأخرى مثل الذهب والين اليابانيّ والأسهم والعملات الرقميّة؛ وبالتّالي تنخفض تلك العملات أمام الدولار.
في الحالة الأخرى، أو في حالة تثبيت أسعار الفائدة، فإنّ التأثير السلبيّ على الدولار يدفع رؤوس الأموال إلى الاستثمار في الملاذات الآمنة الأخرى؛ وبالتّالي فإنّ تلك الملاذات تحقّق مكاسب قصيرة وطويلة الأجل أمام الدولار.
في السنوات الأخيرة، وبينما انخفضت أسعار العملات الرقميّة جنبًا إلى جنب مع الأصول الخطرة الأخرى، ارتفعت العديد من السلع الأساسيّة في أوائل عام 2022، بما في ذلك النفط، لكنّ العديد من هذه التحرّكات أثبتت أنّها قصيرة الأجل. مع تباطؤ ارتفاع أسعار الفائدة على الأموال الفيدراليّة ثمّ توقّفها في عام 2023.
يشير الخبراء إلى أنّ العملات المشفّرة علاج لكلّ ما يزعج المستثمرين، سواء كان ذلك في التضخّم أو انخفاض أسعار الفائدة أو نقص القوّة الشرائيّة أو انخفاض قيمة الدولار وما إلى ذلك. ويبدو أنّه من السهل تصديق هذه الإدعائات طالما استمرّت العملات المشفّرة في الارتفاع، بغضّ النظر عن الأصول الأخرى.
يقول دان راجو، الرئيس التنفيذيّ لشركة ترادير، وهي منصّة وساطة "الحقيقة هي أنّ أسعار العملات المشفّرة أثبتت تأثّرها بنفس الاتّجاهات الّتي تؤثّر على مستثمري الأسهم ". وأضاف "بشكل عامّ، تخيف أسعار الفائدة المرتفعة المستثمرين، وتدفعهم بعيدًا عن الاستثمارات الأكثر خطورة مثل العملات المشفّرة، وسينظر إلى خفض الأسعار على أنّه أمر إيجابيّ من قبل مستثمري العملات المشفّرة".
في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، استجابت العملات المشفّرة إلى الهبوط كما فعلت الأصول الخطرة الأخرى، عندما أعلن بنك الاحتياطيّ الفيدراليّ عن نيّته رفع أسعار الفائدة ثمّ طوال عام 2022 عندما اتّبع بنك الاحتياطيّ الفيدراليّ ذلك بقوّة.
لكنّ عدم الاستقرار في القطاع المصرفيّ في عام 2023 دفع العديد من المتداولين إلى رفع أسعار العملات المشفّرة، معتقدين أنّ المسار المستقبليّ لزيادات الأسعار سيكون أقلّ حدّة. ومع بلوغ أسعار سندات الخزانة لمدّة 10 سنوات ذروتها في 2023 ثمّ انخفاضها، ارتفعت الأصول الأكثر خطورة، حيث بدأ الطريق إلى خفض أسعار الفائدة واضحًا، ثمّ ظهر بالفعل في سبتمبر 2024.
ومع ذلك، هناك عوامل أخرى تلعب دورًا أيضًا في صعود العملات المشفّرة على مدار العام الماضي. ومن أبرزها الموافقة على صناديق الاستثمار المتداولة الفوريّة للبيتكوين.
وبعد التثبيت الأخير لأسعار الفائدة في اجتماع الشهر الحاليّ للبنك الفيدراليّ الأميركيّ، يتوقّع المحلّلون أن تخفّض لجنة السوق الفيدراليّة أسعار الفائدة في عام 2025. ولكن هنا يبقى السؤال، إلى أيّ مدى وبأيّ سرعة؟ تتوقّع العقود الآجلة للسوق أنّ أسعار الفائدة قصيرة الأجل قد تنخفض في عام 2025 ربّما إلى 3%. أو بدلًا من ذلك، بالنظر إلى بعض البيانات الاقتصاديّة، قد تظلّ الأسعار قريبة نسبيًّا من الأرقام الحاليّة، 4.5% إلى 4.75%.
ويتوقّع صنّاع السياسات في لجنة السوق الفيدراليّة أن تنتهي أسعار الفائدة في عام 2025 على الأرجح عند مستوى يتراوح بين 3% و4%، والأرجح عند الطرف الأدنى من تلك الأرقام. ويذكر أنّ هذا كان توقّع لجنة السوق الفيدراليّة في أيلول/ سبتمبر، وكانت البيانات الاقتصاديّة داعمة إلى حدّ ما لأسعار الفائدة المرتفعة بشكل تدريجيّ منذ ذلك الحين. وستقوم لجنة السوق المفتوحة الفيدراليّة بتحديث توقّعاتها بشأن أسعار الفائدة في ختام اجتماعها المقبل في 18 كانون الأوّل/ ديسمبر. ومع ذلك، وكما هو الحال دائمًا، سيتمّ تقديم مجموعة واسعة من النتائج، وسيعتمد الكثير على البيانات الاقتصاديّة الواردة.
في ظلّ التحليلات والتوقّعات بسلسلة من خفض أسعار الفائدة في العام 2025، يتوقّع المحلّلون ارتفاعات كبيرة وإيجابيّة في أسواق العملات الرقميّة، مدفوعة باستقرار السوق الرقميّ. ويتوقّع المحلّلون أن يبلغ سعر البيتكوين الواحدة أكثر من 200 ألف دولار في العام القادم، وارتفاع لعملة اثيريوم بتوقّعات أن تكسر حاجز الـ 7 آلاف دولار في العام القادم، أمّا بالنسبة لعملة سولانا، فيتوقّع المحلّلون تخطّي العملة حاجز الـ 500 دولار العام القادم.