بمئذنته الصامدة منذ قرابة 300 عاما والشاهدة على حقبات مختلفة مرّت على حيفا، وحجارته القديمة ومساحته التي لا تتعدى عشرات الأمتار، يواجه المسجد الصغير (مسجد السوق) الواقع بمنطقة البلدة التحتى في مدينة حيفا، مخططا استثماريا خطيرا وضخما سيؤدي لطمس وخنق المسجد وساحاته.
المخطط عبارة عن برج تجاري وسكني مكوّن من 27 طابقا وسيُقام على مسافة أمتار قليلة من المسجد الصغير، من خلال بناء مداخل للسيارات إلى مصفات تحت الأرض عبر ساحات المسجد، وإقامة منشآت ملوّثة وجمع النفايات بمحاذاة المسجد، بالاضافة للخشية من تهديد أعمال البناء تحت وفوق الأرض أساسات ومبنى المسجد على ضوء حساسيته الهندسية والمعمارية بسبب قدمه، وأهميته التاريخية والدينية.
وكانت قد قدمت لجنة أمناء الأوقاف الإسلامية في حيفا خلال الأسبوع الماضي اعتراضها في اللجنة اللوائية على المخطط الذي يهدد المسجد، وشمل الاعتراض مطلب الضمان الهندسي والإجرائي لحماية المسجد وتخصيص مركز متعدّد المجالات للمجتمع العربي وخدمة للأوقاف، والالتزام بقرار اللجنة اللوائية من شهر آذار/ مارس 2023، التي تبنّت مطالب لجنة أمناء الأوقاف وطاقم المخططين، وألزمت الشركة بتغيير المخطط لحماية المسجد وتحويل محيطه إلى منطقة خضراء.
وفي حديث لـ"عرب ٤٨"، قال عضو لجنة أمناء الأوقاف الإسلامية في حيفا والمستشار القانوني للجنة، مصطفى رافع، إنه "نعارض أي بناء يمس أو يطمس هوية المسجد أو يطمس وجودنا كعرب ومسلمين في حيفا، ومؤخرا قمنا بترميم المسجد ونعمل على إعادة فتحه للمصلين".
وتابع رافع أنه "تقدمنا خلال الأسبوع الماضي باعتراض للجنة اللوائية للبناء والتنظيم في حيفا وشرحنا موقفنا بكل وضوح، نحن نعارض وجود المخطط من الأساس بسبب ضخامته التي ستؤثر على المسجد من عدة نواحي، وإن تمت الموافقة، على الأقل يجب إبعاد المخطط 10 - 20 مترا عن المسجد وتقليل عدد طوابقه كي لا يتم طمس هوية المسجد".
وقال رافع إننا "نتحدث عن مسجد عمره 300 عام، والمستثمر الذي اشترى الأرض يجب أن يحترم وجود المسجد"؛ واختتم رافع حديثه بأنه "نمر بمرحلة صعبة وفترة حساسة جدا، وشهدنا منذ عدة أيام هدم المسجد في قرية أم الحيران بالنقب، وهذا لإقامة مستوطنة لليهود فقط، نحن نحارب على بقاء هذا المسجد في قلب حيفا النابض (البلدة التحتى) ولن نقبل بطمس المسجد خصوصا بهذه المرحلة الحساسة والتي هي من أصعب المراحل علينا كفلسطينيين وعرب".
وبدوره قال المستشار التخطيطي للجنة الأوقاف د. عروة سويطات لـ"عرب ٤٨" إن "هذا الاعتراض الجديد الذي نسعى من خلاله لضمان الحماية وتخصيص مرافق لخدمة الاوقاف، هو امتداد لنضالنا التاريخي والمستمر من أجل حماية المسجد الصغير، الذي واجه خطر الهدم 3 مرات، وقد هدم جزءا من المسجد عام 1948، وفي السبعينيات حاولت الدولة هدمه بالكامل، ولكنها فشلت بعد تصدي أهالي المدينة، وقبل عامين حاولت شركة عقارية هذه المرة بعد شراء حقوق الأرض المصادرة هدم المسجد بمخطط جديد، ولكننا تمكنا من التصدي له وحماية المسجد".
واختتم سويطات حديثه بالقول إن "حماية المقدسات والإرث في حيفا تحتاج إلى تضافر كافة الجهود بمختلف الساحات حتى ننجح معا في حماية إرثنا ومدينتنا، هذا سبب نجاحنا في الماضي، وهي بوصلتنا الآن وفي المستقبل".
وبدوره قال رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي في بلدية حيفا، المربي شربل دكور لـ"عرب ٤٨" إننا " نرفض أي مخطط يشكل تهديدا على المسجد الذي يعتبر أحد أهم مساجد حيفا التاريخية والشاهد على تاريخ وهوية المدينة ونكبتها، نحن ندعم جهود لجنة الأوقاف ونعمل بالتعاون معها لحماية المقدسات".
وتابع دكور "نعي أنه لا يمكن إبطال المخطط من الناحية القانونية، ولكننا نستطيع ضمان حماية المسجد من خلال عملنا السياسي في معارضة المخطط في البلدية والنضال الجماهيري بالتنسيق والتعاون مع المسؤولين عن الأوقاف الإسلامية في حيفا، الذين يقودون حماية المقدسات العربية الإسلامية في المدينة، إذ تمكنت لجنة الأوقاف في التصدي للمخطط قبل عامين في البلدية السابقة على يد جهود رئيس لجنة الأمناء راجي حسين والمختصين د. عروة سويطات ود. عبد بدران، واستطاعوا من خلال اعتراضهم في اللجنة اللوائية والبلدية حماية المسجد من تهديد المسّ به والهدم كما كان في المسودة الأولى للمخطط".
وأردف دكور "أما اليوم فالمطلب المركزي هو ضمان حماية المسجد وساحاته ومحيطه ومكانته وسنضمن ذلك في لجنة التخطيط في البلدية، وأيضا نتابع وندعم مطلب لجنة الوقف تخصيص مرافق جماهيرية لخدمة المجتمع العربي والأوقاف. وطبعا من مسؤوليتنا النضال الجماهيري في حال تجاهلت الشركة مطالب لجنة الأوقاف وما التزمت في تعليمات الحفاظ على المسجد ومحيطه وخدمته".
ومن جهته قال عضو بلدية حيفا عن كتلة الجبهة، فاخر بيادسة لـ"عرب ٤٨" إن "هذا المخطط الضخم المكوّن من 27 طابقا سيؤثر سلبا على المسجد الصغير، وسيحوّله إلى فناء خلفي للمبنى الضخم، وسيحجب الهواء والشمس عن المسجد بالإضافة لفقدان إمكانية تطوير وتوسيع ساحات المسجد ومحاصرته، وإذا ما تمت الموافقة على هذا البناء، فيجب أن يكون بشكل واضح وحذر، لأنه قد يؤدي للمس بالمسجد ويهدد وجوده".
وأردف بيادسة أن "هناك محاولات لطمس الموروث المعماري والالتفاف حول قرارات سابقة تقضي بالابتعاد عن المسجد وتخصيص مرافق جماهيرية لصالح الأوقاف وخدماتها للمجتمع، وتحويل منطقة المسجد إلى منطقة خضراء محمية، وأصف هذه المحاولات بأنها محاولات استيطان بكل معنى الكلمة، واستيطان المستثمرين هو من ألعن محاولات الاستيطان، ويجب على كل صاحب بناء بجانب الأوقاف الإسلامية أو المسيحية أن يحترم الأوقاف".