تجد تل أبيب نفسها أمام خيارات محدودة، في ما يتعلّق بالتعامُل مع مذكّرتي الاعتقال اللتين أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية، ضدّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، ووزير أمنه السابق، المُقال يوآف غالانت، الخميس؛ وقد يكون للرئيس الأميركيّ المنتخَب، دونالد ترامب، دور في مواجهة قرارات المحكمة.
تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات
وبحسب ما أوردت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في تقرير عبر موقعها الإلكترونيّ "واينت"، الجمعة، فإنه يُتوقَّع أن يجري نتنياهو مناقشة بشأن الموضوع بمشاركة المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف - ميارا، وكبار الوزراء الإسرائيليين، "لاتخاذ قرار بشأن كيفية المضيّ قُدما".
ولفت التقرير إلى أن إسرائيل تبحث الآن، خيارين اثنين؛ الأول هو تقديم ردّ للمحكمة، وإذا أعلنت تل أبيب عن نيّتها تقديم ردٍّ، "فلا يزال أمامها الوقت لصياغة محتواه، لكنها مُلزَمة في كل الأحوال بالإعلان خلال خمسة أيام عن وجهتها" في ما يتعلّق بذلك.
أمّا الخيار الثاني، بحسب التقرير، فهو "التجاهل، والمضيّ حتّى النهاية، لحلّ مشكلة لاهاي (مقرّ الجنائية الدوليّة) من جذورها، مرّة واحدة وإلى الأبد".
ولا يمكن الاستئناف ضدّ مذكرتيّ الاعتقال نفسيهما، وإنما يمكن تقدير ردّ، من شأنه أن يساهم في الحدّ من توسيع الإجراءات القضائية التي تتخذها المحكمة.
ونقل التقرير عن مصدر إسرائيليّ وصفه بالمطّلع على تفاصيل القضية، القول: "تقديري أنه في نهاية المحكمة (ستتروّى)، لأن الضغوط التي ستمارَس عليها غير مسبوقة، ولم تعرف مثلها من قبل".
وذكر تقرير "واينت" أن التوجّه في تل أبيب، هو "عدم تقديم ردّ (على قرار الجنائية)، وانتظار التطورات على الساحة الدولية، وبخاصة ردّ الفعل القاسي المنتظر، مع دخول الإدارة الأميركية الجديدة في 20 كانون الثاني/ يناير"، برئاسة دونالد ترامب.
وأضاف أن هناك "خشية في إسرائيل أن يحاول المدعي العامّ للمحكمة، كريم خان، إصدار أوامر اعتقال سريّة ضد جنود وضباط" إسرائيليين.
ونقل التقرير عن مصدر وصفه بالمطّلع، أن "العالم لا يُبنى وفق أوامر الاعتقال، بل وفق مصالح اللاعبين، ولا أرى أن ألمانيا وبريطانيا ستمتنعان عن اللقاء بنتنياهو، في حين أنهما تريدان التحدث مع إسرائيل بشأن كيفية التوصل إلى وقف لإطلاق النار؛ ألمانيا لن تضحّي بعلاقتها الخاصّة مع إسرائيل. الهولنديون سيفعلون ذلك".
وأضاف المصدر: "على الرغم من تصريح وزير خارجيتهم، سيكون الجميع غير مرتاحين وسيكون هناك الكثير من الضغوط على المحكمة لإيجاد طريقة... وفي النهاية سيتمّ حلّ الأمر تحت غطاء قانونيّ ما".
وقال مصدر آخر إن قرار الجنائية الدولية، "هو انتقال إلى مستوى آخر"، غير أنه أضاف: "مثلما أنّ هذا حدَثٌ بالنسبة لدولة إسرائيل، فهو كذلك بالنسبة للمحكمة".
وفي ما إذا كانت إسرائيل ستبحث اتخاذ إجراء قانونيّ بنفسها، ضدّ المدعي العام خان وقُضاة المحكمة، قال المصدر إنّ "كل شيء مطروح على الطاولة".
وذكر أنه "من الواضح أنه سيتعين عليهم تغييرها من الألف إلى الياء، وأعتقد أنهم سيفعلون ذلك. لقد ارتكبوا خطأ كبيرا"، مضيفا أن "التفكير في إصدار مثل هذه الأوامر قبل دخول إدارة ترامب (إلى البيت الأبيض) أمر غبي".
تجميد الأوامر يمرّ عبر مجلس الأمن
ومن غير الممكن إلغاء مذكرتي الاعتقال التي أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية ضدّ نتنياهو وغالانت، إذ إن أوامر الاعتقال شخصية ومعلقة طالما أنهما على قيد الحياة، وحتى مع إنهاء مهامهما السياسية، لا يؤدي إلى إلغائهما وسيكونان عرضة لخطر الاعتقال في كل مرة يغادران فيها إسرائيل.
والخطر ليس فقط بالنسبة للبلدان الـ124 التي وقعّت على "معاهدة روما"، و"لكن على ما يبدو لجميع دول العالم المرتبطة بمنصة المنظمة الدولية للشرطة الجنائية - إنتربول"، وفق التقرير.
ولفت التقرير إلى أن "هناك بالفعل طريقة قانونية دبلوماسية لتجميد أوامر الاعتقال"، إذ "يمكن أن يتم ذلك من خلال قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وذلك بقرار الأغلبية ودون فرض حق النقض (فيتو) من قبل الدول الخمس الدائمة"، وفق محام في الجنائية الدولية.
وأضاف المحامي ذاته: "من البديهي أن إدارة ترامب ستؤيد مثل هذه الخطوة، والسؤال هو ماذا عن الدول الدائمة الأخرى".
وذكر أنه "لا شك أن وجهة نظر فرنسا وبريطانيا، بعدم فرض حق النقض في مجلس الأمن وتجميد الإجراءات الجنائية، ستكون وسيلة الإقناع لحمل رئيس الحكومة، (نتنياهو) على إنهاء القتال في غزة".
وأضاف: "الآن الطريقة الوحيدة لضمان قدرة نتنياهو على التحرُّك بين الدول الأعضاء في المحكمة والحصول على اعتراف المجتمع الدوليّ، هي التقدم بطلب إلى مجلس الأمن الدوليّ".
ضغوط أميركيّة هائلة؛ هذا ما قد يفعله ترامب
وتشير التقديرات السياسية والقضائية في إسرائيل، إلى أن "فرصة عكس النتيجة من خلال الوسائل القانونية، ضئيلة حتّى معدومة".
ووفق ما أوردت صحيفة "هآرتس"، الجمعة، فإن "المسار الوحيد الذي يمكن لإسرائيل أن تسلكه، هو ممارسة ضغوط أميركية هائلة على الدول التي تعترف بسُلطة المحكمة، وعدم تطبيق مذكّرتي الاعتقال المتعلّقة بنتنياهو وغالانت".
ولفت التقرير إلى أنه لا يُتوقَّع "أن تفعل الإدارة المنتهية ولايتها بقيادة الرئيس جو بايدن ذلك، ولا يزال أمامه شهران آخران في منصبه".
وأضاف أن "علامة الاستفهام الرئيسية"، هي ما الذي سيختار ترامب القيام به.
وفيما ذكر التقرير إلى أن الولايات المتحدة، التي لا تعترف بسلطة المحكمة الجنائية ولا تشارك في تمويلها، ليس لها تأثير مباشر على الإجراءات داخل المحكمة، لفت إلى أنها "تستطيع الضغط على الدول الأخرى، لتجاهُل أوامر الاعتقال".
وقد أعلنت بريطانيا وفرنسا وهولندا ودول أخرى، أنها ستحترم الأمر القضائيّ للجنائية الدوليّة، و"قد يهدد ترامب هذه البلدان لتغيير قرارها"، بحسب التقرير.
ويُتوقع أن "تفرض الولايات المتحدة عقوبات على المحكمة كمنظمة وعلى شخصيات بارزة فيها، بما في ذلك المدعي العام كريم خان والقضاة الذين قرروا إصدار مذكرات الاعتقال".
ولفتت "هآرتس" إلى أنه "من غير المتوقع أن تؤدي هذه العقوبات إلى تغيير القرار، لكنها قد تمنع المحكمة من توسيع نطاق أوامرها، لتشمل كيانات إضافية في إسرائيل".
وبحسب التقرير، فإنه "في السيناريو الأكثر تطرّفا، قد يضغط ترامب على الدول المختلفة لوقف تمويل المحكمة، مما قد يؤدي إلى إنهاء وظيفتها".
غير أن "العائق الرئيسي أمام مسار الضغط السياسي هو أن الولايات المتحدة، رغم أنها ليست عضوا في المحكمة، استفادت في السنوات الأخيرة من بعض قراراتها".
وأصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحق بوتين في عام 2023 على خلفية الحرب في أوكرانيا؛ كما أطلق تحقيقًا في جرائم حرب محتملة في السودان، الأمر الذي أثار معارضة الصين "بسبب علاقاتها بالحكومة هناك".
وذكر تقرير "هآرتس"، أن الإضرار بالمحكمة قد يصبّ في مصلحة العديد من خصوم الولايات المتحدة.